شكّل اتفاق أوسلو و ترجمته الاتفاق الاقتصادي في باريس و اتفاقات القاهرة المتعلّقة بالحكم الذاتي انعطافاً أساسياً في المسار الذي خطّته فتح و الثورة الفلسطينية ، و هو الانعطاف الكبير و الخطير الثالث بعد الانعطاف الذي حقّقه تبنّي برنامج النقاط العشر و قرارات الرباط الخاصة باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني ...
قراءة الكل
شكّل اتفاق أوسلو و ترجمته الاتفاق الاقتصادي في باريس و اتفاقات القاهرة المتعلّقة بالحكم الذاتي انعطافاً أساسياً في المسار الذي خطّته فتح و الثورة الفلسطينية ، و هو الانعطاف الكبير و الخطير الثالث بعد الانعطاف الذي حقّقه تبنّي برنامج النقاط العشر و قرارات الرباط الخاصة باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني ، ثم الانعطاف الذي سجّله المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة و العشرين لا سيما المشاركة في مؤتمر مدريد و المفاوضات الثنائية .كان الانعطاف الأول قد تمثّل ببداية التخلي عن المنطلقات و الثوابت التي قامت على أساسها انطلاقة الثورة الفلسطينية و من ثمّ انتهاج سياسة السعي للدخول في المعادلة العربية و الدولية فيما يتعلّق بقرار 242 مع تعديله بإدخال العنصر الفلسطيني إليه أساساً السلطة (الوطنية) بقيادة م.ت.ف. الممثل الشرعي و الوحيد ، و يلحظ هنا أن هذا الانعطاف و لأسباب فلسطينية و عربية لم يتم ضمن إعلان هذه الأهداف و إنما أخذ شكل تغييرٍ للمسار بزاوية حادة لا تكشِف في بداية انطلاقتها عما ستصل إليه من بعد عن الأصل .أما الانعطاف الثاني فكان القبول بكلّ قرارات هيئة الأمم و مجلس الأمن بما يتضمّن من اعترافٍ ضمني بقرار التقسيم (و فيه حق إقامة الدولة "الإسرائيلية") و قرار 242 (و فيه مبادلة الأرض بـ "السلام" !) و قد تم ذلك تحت ضجيج إعلان ولادة الدولة الفلسطينية ثم جاء قرار المجلس الوطني العشرين ليقبل من حيث المبدأ بالمشاركة في مؤتمر مدريد و بالمفاوضات المباشرة . فكان هذا الانعطاف الأكمل للانعطافة الأولى و بداية مسارٍ جديدٍ و لكن أيضاً بزاوية حادة عنه حيث ستسقط اللاآت المتعلقة بـ "لا للاعتراف بالدولة (الإسرائيلية)" لا "للصلح" لا "للمفاوضات المباشرة" .و جاء الانعطاف الثالث في اتفاق أوسلو تتويجاً للانعطافة الثانية إذ سقطت اللاآت ، و لكن شكل بدوره زاوية حادة جديدة ، أي بداية مسار جديد سيأخذ بالابتعاد حتى عن مسار مدريد لا سيما من ناحية ما يتضمّنه من مخاطر المسار المنفرد و العدو (الإسرائيلي) ، بل كان الاتفاق نفسه إعلاناً صريحاً عن نهاية مرحلة مدريد و مفاوضات واشنطن بالنسبة إلى المسار الفلسطيني.فقد كان اتفاق فلسطيني- (إسرائيلي) صرفاً ، أي كان بداية طريقٍ لحلّ منفرد يحمل في داخله فيما يحمل خطر انفصال فلسطيني لا عن التنسيق العربي فحسب ، و إنما أيضاً عن الأمن العربي و عن الولاء للأمة العريبة ، أي خطر علاقات (إسرائيلية) - فلسطينية تريد منها القيادة (الإسرائيلية) أن تجعل من الحكم الذاتي الفلسطيني معبرها لتهديم كلّ الأسوار العربية و الإسلامية . و تريد من الفلسطينيين أن يكونوا و لو بصورة غير مباشرة جزءاً من المشروع الصهيوني في المنطقة .و من هنا فإن خطورة الزاوية التي فتحها اتفاق أوسلو تحمل أبعاداً مستقبلية خطيرة تتعدّى ما يمكن أن يسجّل على الجانب الفلسطيني ما قدّمه بها من تنازلات لا تمسّ الحقوق و الثوابت و التاريخ و المخزون القومي و النفسي فحسب ؛ و لا و ما حملته من مخاطر بقاء الاحتلال و المستوطنات و تكريس ضمّ القدس الشرقية لدولة العدو فحسب . و إنما أيضاً حمل أبعاداً تمسّ الأمن العربي و تجرح الانتساب الفلسطيني للأمة العربية و الإسلامية و الولاء و اتجاه البوصلة . و هذا ما أدّى إلى نشوء معارضة عربية شديدة للاتفاق و لم يخفّف منها إلا إعادة المفاوضات إلى القاهرة لتصبح مصر شريكاً فيها ، الأمر الذي وضع العِصيّ في دولاب اتفاق أوسلو و لم يجعله يتحرّك بذلك الزخم الذي أراد له طابخوه أن يمضي فيه .هذه النقلة لم تلغِ تلك الانعطافة التي حقّقها اتفاق أوسلو و إنما أدخل عناصر تعديلٍ و تبطيء فيها تكرّس ما قدّم من تنازلات فيما يتعلّق بالحقوق و الثوابت في فلسطين فضلاً عن تكريس المخاطر المتعلّقة باستمرار الهيمنة الأمنية (الإسرائيلية) على كل فلسطين في استمرار الاحتلال و ضم القدس لدولة العدو ، و عدم تفكيك كلّ المستوطنات لا سيما ما حدث من استيطانٍ في القدس الشرقية و منطقتها .على أن الإشكال الأساسي للمرحلة القادمة سيظل ، وفقاً لانعطافة اتفاق أوسلو ، متمثلاً في صراع فلسطيني-فلسطيني حادّ على مستوى قمة السلطة فيما يتعلّق بطراز العلاقة الفلسطينية – (الإسرائيلية) في مقابل العلاقات الفلسطينية – العربية . و بالمناسبة إذا كانت مصر قد استطاعت ضمن الظرف الراهن احتواء جزءٍ من الموقف الفلسطيني فإن استمرار هذه الاستطاعة ستظلّ موضع تساؤل على ضوء ما يمكن أن تشهده المنطقة من تطورات مستقبلية و ما يمكن أن يشهده الوضعان المصري و الفلسطيني من تطوّرات كذلك ! .و لهذا كان التشديد على موضوع اتفاق أوسلو و التوسيع في تحليل محتوياته و اتجاهه و للقوى الفاعلة فيه و معه و للظروف المحيطة يشكّل ضرورة ملحة حتى بعد قيام الحكم الذاتي الذي سرعان ما سيؤدّي بدوره إلى ولادة مرحلة جديدة و ذلك لأهميته بالنسبة إلى المستقبل الفلسطيني و العربي .و من هنا كان هذا الكتيّب و قد نشر في معظمه في مجلة فلسطين المسلمة الشهرية و جريدة السبيل الأسبوعية . و لكن مع إعادة ترتيبٍ و تنسيقٍ حتى تخرج شبه متكاملة تفي الموضوع مجتمعة بعض حقّه .و الله من وراء القصد ...المؤلف