يقوم الإنسان بأعماله في هذه الحياة الدنيا بحسب دوافع معينة منها دينية عند أولئك الذين يؤثرون رضا الله سبحانه وتعالى ويعملون للآخرة، ومنها مصلحية حسب المصالح، والرغبات، وهوى النفس عند أولئك الذين لا يرون في حياتهم إلا المتاع واللهو وقضاء حاجات النفس.ولما كانت المصالح عند بني البشر تختلف، ورغبات النفس تتباين فقد وقع الخلاف ودبت ال...
قراءة الكل
يقوم الإنسان بأعماله في هذه الحياة الدنيا بحسب دوافع معينة منها دينية عند أولئك الذين يؤثرون رضا الله سبحانه وتعالى ويعملون للآخرة، ومنها مصلحية حسب المصالح، والرغبات، وهوى النفس عند أولئك الذين لا يرون في حياتهم إلا المتاع واللهو وقضاء حاجات النفس.ولما كانت المصالح عند بني البشر تختلف، ورغبات النفس تتباين فقد وقع الخلاف ودبت الفرقة، وحاول المصلحون التوفيق، وتقريب وجهات النظر، وتحقيق شيء من مصالح كل طرف لإرضاء كلا الجانبين فوجدت أعراف بين الناس ونقاط اتفاق فيما يصح عمله وما لا يقبل الإقدام عليه لتأمين سلامة المجتمع وإمكانية العيش بسلام بين الأفراد جميعاً، وأن هناك قضايا شخصية، للمرء حرية عملها والتصرف فيها، وقضايا اجتماعية لا ينبغي تجاوزها حرصاً على آراء ومصالح بقية أعضاء المجتمع.وجاءت الشرائع من السماء تحدد للناس ما ينسجم مع فطرتهم، وهو مباح لهم عمله، وما لا يتفق مع طبيعة البشر، وهو حرام عليهم الإقدام عليه، وكانت الشرائع الأولى مخصصة للأقوام التي جاءت إليهم، فكان لكل قوم شريعة خاصة بهم لا تتعداهم لغيرهم من الأقوام.وكانت خاتمة الشرائع ما أنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، للناس كافة، ولا يحق لمجتمع أن يطبق شريعة سوى الإسلام إذ نسخت ما كان قبلها حيث كان كل ما جاء قبلها خاصاً بأقوام معينين، واختلطت الأقوام بعضها مع بعض، وانقرض كثير من الأقوام السابقة لذا لم تعد تصلح لهم سوى شريعة عامة للناس جميعاً وهذا ما كان شأن خاتمة الشرائع، وقد طبق المسلمون ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مدة ثم أخذوا يتخلون تدريجياً عن حكم، وهذا ما جعل أمرهم يضعف، ودولتهم تزول ويتفرقون أشتاتاً.وأما الأمم الأخرى التي ادعت أنها على شريعة وما هي كذلك إذ حرف سلفها ما أنزل إليهم من ربهم، وبدلوا كلام الله، وساروا حسب هوى أحبارهم ورهبانهم، ثم حسب هوى حكامهم، فهم ليسوا على شيء، هذا إضافة إلى أن الشرائع التي يدعون أنهم عليها قد نسخت، ولم يعد لها شيء في ميزان الله.أخذت الأمم تضع لنفسها قوانين، لاهية عن شريعة الله، لتحقق بذلك رغبات المتسلط الذي يأمر بهذا وينهى عن هذا، من أجل ذلك كانت هذه القوانين في تغير مستمر مع تغير المستبدين، ولأنها لا تحقق ما تصبو إليه البشرية. ويحرص واضعو هذه القوانين لتبيان ما هو حق وما هو باطل، وما يؤاخذ عليه الإنسان إذا عمله وما هو حر فيه.ولما كان الإنسان يقوم بكثير من الأحيان ببعض الأعمال سعياً وراء مصلحته أو إتباعاً لهوى نفسه فإن ما يقوم به قد يتناقض مع الشريعة، وقد يتناقص حتى مع القوانين الوضعية التي تحدثنا عنها لذا فهو يحرص أن يجد المبررات للقيام بعمله بتفسير القوانين أو باجتهادات غالباً ما تكون خاطئة وقد تعجزه الحيلة فيلجأ عندها إلى ليّ أعناق القانون لياً حتى يكون مسايراً لما أراد أو حسب هواه، ويعرف أحياناً تصرفه هذا فيبرر لنفسه فعله بأن هذه القوانين وضعية تنسجم مع واضعها. ولكنه يلجأ إلى الآيات أحياناً أخرى غير أنه لا يستطيع أن يقول عنها ما قال عن القوانين، لكن يريد لنفسه التبرير فيعود ويبدأ بشد الآيات ولي أعناق الأحاديث، وتفسير أحداث السيرة ويجد لعمله مخرجاً وغالباً ما يكون مخطئاً، ولكنه يصر ويصر، غير أن المسلم إذا أصر على رأيه رغم تنبيهه وتحذيره، وقد تبين له الحق ولكنه كابر، فإنه قد أحل حراماً أو حرم حلالاً، ومن فعل ذلك خرج عن الملة -والعياذ بالله- وما أعتقد أن يفعل هذا مسلم يؤمن بالله وباليوم الآخر. وإذا أصر مقتنعاً بصواب رأيه وعدم مخالفته فإنه مخطئ ويكون اجتهاده من نوع المغالطات، وما أكثرها -مع الأسف- في هذه الأيام.ومن الأمور الخطيرة في أمتنا اليوم أولئك الذين يقدمون اجتهادات خاطئة أو يشدون الآيات والأحاديث وسيرة الرسول الكريم لتتفق مع ما يريده ظالم أو ما يرغبه طاغية من أجل عرض من أعراض الدنيا كمنصب أو مال أو حظوة عند سلطان.ومع الصحوة الإسلامية في عالمنا الإسلامي الكبير ومع إقبال الشباب على التمسك بالإسلام رغم المغريات الكثيرة فإن أعداداً من الشباب وعدداً من الحركات قد بينت للناس الطريق وأنارت الدرب وقامت تنادي بفكرها وتدعو إلى تطبيق الإسلام وترك كل ما يخالفه من قوانين وضعي ونبذ كثير من العادات التي لا يرضى عنها الإسلام من سفور، واختلاط، وترف، وإخلاد إلى الأرض غير أن هذا لا يرضي المترفين في الأرض فيقفون بسلطانهم، وبمالهم، وبقوتهم في وجه هذا التيار الإسلامي، وفي وجه أصحاب هذه الصحوة الإسلامية، ويحاولون ردهم عن طريقهم بكل الطرق، ولكن لا يستطيعون فيلجؤون إلى بعض من يحمل صفة العلم يستنجدون به ضد الحركة الإسلامية فيعطي الصفة الشرعية للقائمين بالأمر، وأن مخالفتهم غير جائزة، وأنهم يطبقون ما أمر الله به، ولذا فإن مخالفيهم مارقون خارجون عن الجادة، وهؤلاء من أشباه العلماء لا يستطيعون إصدار هذا إلا بعد مغالطات وتفسير خاطئ للآيات أو الأحاديث أو أحداث السيرة، أو سيرة الخلفاء الراشدين.هذه المغالطات على اختلافها ومن أية جهة جاءت قد أضرت بالأمة ضرراً بالغاً إذ حرفت الحقائق، وزورت الأحداث، وغيرت المفاهيم، وبدلت تاريخ الأمة وتلاعبت في أمور العقيدة من أجل هذا جاء هذا الكتاب لتبيان بعض هذه المغالطات وتوضيح أهمها وخاصة ما كان له علاقة بعقيدة الأمة.