إن العرب يعيشون اليوم هذه اللحظة التي تلتقي فيها النهاية مع البداية، وبمعنى آخر إنهم يعيشونه مرحلة انتقالية دقيقة تجعل مراجعة مشروعهم النهضوي، مراجعة نقدية أمراً مبرراً بل ضرورياً. لقد عاش العرب، من خلال المائة سنة الماضية على مشروعهم النهضوي، مراحل ثلاث متداخلة هي مراحل لتاريخ العالم المعار، هي تحقيب دولي، وهي إضافة إلى ذلك، تح...
قراءة الكل
إن العرب يعيشون اليوم هذه اللحظة التي تلتقي فيها النهاية مع البداية، وبمعنى آخر إنهم يعيشونه مرحلة انتقالية دقيقة تجعل مراجعة مشروعهم النهضوي، مراجعة نقدية أمراً مبرراً بل ضرورياً. لقد عاش العرب، من خلال المائة سنة الماضية على مشروعهم النهضوي، مراحل ثلاث متداخلة هي مراحل لتاريخ العالم المعار، هي تحقيب دولي، وهي إضافة إلى ذلك، تحدد مراحل خاصة داخل المشروع النهضوي العربي.في المرحلة الأولى تسجل استكمال القوى الاستعمارية الأوروبية هيمنتها على البلدان العربية وبروز المطامح الصهيونية في فلسطين، وفشل "الثورة العربية" في الحجاز والشام. أما مرحلة ما بين الحربين فيه تسجل نضال الشعوب العربية من أجل الاستقلال، بما في ذلك نضال شعب فلسطين من أجل الاستقلال والتحرر من السيطرة البريطانية، والحيلولة دون قيام دولة إسرائيلية فيها، إضافة إلى كونها المرحلة التي غرس فيه الاستعمار الأوروبي في الوطن العربي بنى الحداثة الأوروبية الموجهة لخدمة الاستعمار. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد تزامنت بدايتها عربياً، مع موجة الاستقلالات وقيام إسرائيل من جهة، ومع انطلاقة المد التحريري في العالم الثالث كله من جهة أخرى، وما رافق ذلك من طموحات ثورية عبر عنها بوضوح وقوة شعار "الاشتراكية والوحدة" وهو المضمون الجديد الذي أعطى للمشروع النهضوي العربي تحت شعار "القومية العربية" هذه المراحل شكلت محوراً للمراجعة النقدية للمشروع النهضوي العربي في هذا الكتاب، فالمراجعة النقدية لمسار هذا المشروع خلال المائة سنة الماضية، وكما يراها الباحث، تتطلب استحضار مختلف التأثيرات، الإيجابية والسلبية التي مارستها عليه المشاريع المنبثقة عن تلك المراحل: (الحداثة الأوروبية، والاشتراكية العالمية، والحركة الصهيونية).وذلك لأن تقدير إنجازاته وإخفاقاته سيكون تقديراً بعيداً عن الصواب والإنصاف إذا اقتصر الباحث على النظر إليه وحده، معزولاً عن محيطه العام الذي يتحدد بالمشاريع المتداخلة معه المنافسة له. إن فعل هذه المشاريع في المشروع النهضوي العربي كان، طوال المائة سنة الماضية، فعلاً متواصلاً متعدد الاتجاهات متنوع الأطوار، وذلك إلى درجة أن تاريخ المشروع النهضوي العربي كان جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العالم خلال هذا القرن.وفي القسم الأول من الدراسة التي ضمها الكتاب يرصد الباحث ويفحص، بقدر ما يسمح به المقام، أبرز التأثيرات السلبية والإيجابية التي عملت عملها في المشروع النهضوي العربي من جراء احتكاكه مع المشاريع الأخرى، وذلك قبل تفحص واقعه وآفاقه التي تناولها في القسم الثاني من هذه الدراسة.