لحمد لله رب العالمين، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وجعل شريعته صالحة لكل زمان ومكان، من اتبعها فقد اهتدى، وسار على الصراط المستقيم، وفاز فوزاً عظيماً، ومن زاغ عنها ضل ضلالاً كبيراً، وخسر خسراناً مبيناً. صلاة الله وسلامه على...
قراءة الكل
لحمد لله رب العالمين، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وجعل شريعته صالحة لكل زمان ومكان، من اتبعها فقد اهتدى، وسار على الصراط المستقيم، وفاز فوزاً عظيماً، ومن زاغ عنها ضل ضلالاً كبيراً، وخسر خسراناً مبيناً. صلاة الله وسلامه على رسوله الأمين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش وله مطالب، وحاجات عديدة، لا يستغني عنها، ومن أجل تحقيق هذه المطالب والحاجات، لا بد أن يتعامل مع غيره من الناس، وهذا التعامل لا بد أن يكون وفق المنهج الشرعي، المقرر في الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي أحل الله له الطيبات، والتمتع بها، وأحل طلبه لها ضمن المشروع. والإنسان يرزق بما قسم الله تعالى في هذه الحياة الدنيا فيأكل المسلم ويشرب ويتناول الطيبات دون إسراف أو تبذير، وذلك في حدود ما أحله الله تعالى، ودون أن يتجاوز تلك الحدود الشرعية، ودون أن يرتكب ما حرم، مستذكراً دائماً أنه يثاب على الحلال، ويعاقب على الحرام، وأنه مخلوق لعبادة الله، ولا بد أن يسير على منهجه في كل شيء. ففي كل تصرف له، لا بد أن يزنه بميزان الشرع الحكيم، يعمل الصالحات ويتناول الطيبات، ويترك المحرمات والمنكرات والخبائث. ومع ذلك لا بد أن يشكر الله عز وجل على نعمه التي أنعم بها عليه. هذا وخلال حياة الإنسان، لا بد أن يتعامل مع غيره من أجل الحصول على حاجاته ومطالبه، ولا بد من ضوابط لهذا التعامل، ولا بد أن تحصل عقود؛ لضبط أصول المعاملات في مجالات الحياة المتنوعة، والتي يحصل بموجبها على ما يحتاجه، ولا بد من الوفاء فيما يقوم به. ولا بد أن تتوفر الأمانة، ويتوفر الرضا، وحسن النية، والحرية، والبعد عن الحرام، في المواضيع المتعاقد عليها، أي محل العقود، حتى يكون المال المكتسب بها حلالاً طيباً. وقد فصّل الفقهاء القدامى في أحكام العقود المختلفة؛ كالزواج والبيع والإجارة والرهن والإعارة وغيرها، بحيث أفردوا لكل موضوع منها بحثاً أو باباً مستقلاً في الكتب الفقهية التي صنفوها. فوضعوا التعريفات، والأركان، والشروط، والأحكام المتنوعة، لكل موضوع من هذه العقود المسماة. ومن الفقهاء من أصَّل في الكليات، وصنّف في القواعد الفقهية، التي يسار على ضوئها في تفسير العقود، والتصرفات، والالتزامات المختلفة، وذلك كإبن نجيم في الأشباه والنظائر، والقرافي في الفروق، والسيوطي الشافعي في الأشباه والنظائر، وإبن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام، وإبن رجب في القواعد في الفقه الإسلامي. كما تناولت مجلة الأحكام العدلية القواعد الفقهية. وفي العصر الحاضر نحى بعض الباحثين إلى الكتابة في العقد وضوابطه وأحكامه، بعد البحث والنظر والإستقراء في أحكام العقود المسماة المعروفة؛ كالزواج والبيع والرهن والإجارة وغيرها، ووضعوا أصولاً وأحكاماً عامة تطبق على العقود المتنوعة، ومنهم من أطلق على ذلك نظرية العقد، ومنهم من سماها: ضوابط العقد, مما يشمل أحكام العقد المختلفة؛ كالتعريف، والأركان، والشروط، والآثار، وأهلية العاقدين، وعوارضها، والخيارات، وآثار العقد، وإنحلاله، وغيرها، مما ينطبق على العقود المختلفة. وفي هذا الصدد يقول السنهوري في كتاب مصادر الحق في الفقه الإسلامي: ولم يحاول فقهاء المسلمين وضع نظرية عامة للعقد، بل تناولوا العقود المسماة، وبحثوا كل عقد، في أركانه، وفي أحكامه، فبحثوا البيع والهبة والإجارة بأنواعها والمزارعة والمسافاة والشركة والعارية والقرض والوديعة والكفالة والحوالة والرهن والصلح، ومن الأحكام التي قرروها في هذا الصدد، يستظهر الباحث القواعد المشتركة بين هذه العقود جميعاً، فيستخلص منها نظرية عامة للعقد، وهذا ما فعله فقهاء الشريعة الإسلامية المعاصرون في مؤلفاتهم الحديثة.