نبذة النيل والفرات:قليلة هي تلك الدراسات اللغوية التي حاولت أن تتبع أمر هذه الصلة بين اللغة والمجتمع وتخرج بها من حدود الدرس النظري إلى آفاق الدراسة التطبيقية وخاصة فيما يتصل بلغتنا العربية، إلى من إشارات تأتي في خلال الدرس النظري تضرب المثل أو المثلين لتوضيح ظاهرة أو أخرى، ومن ثم بقيت العربية تفتقر إلى درس لغوي مفرد يتتبع أمر ه...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:قليلة هي تلك الدراسات اللغوية التي حاولت أن تتبع أمر هذه الصلة بين اللغة والمجتمع وتخرج بها من حدود الدرس النظري إلى آفاق الدراسة التطبيقية وخاصة فيما يتصل بلغتنا العربية، إلى من إشارات تأتي في خلال الدرس النظري تضرب المثل أو المثلين لتوضيح ظاهرة أو أخرى، ومن ثم بقيت العربية تفتقر إلى درس لغوي مفرد يتتبع أمر هذا التطور الاجتماعي وخاصة فيما يتصل بجوانبه الحضارية والفكرية وأثر ذلك على اللغة العربية لكي يكشف عن هذا النمو والتطور الذي أصاب ثروتها اللغوية والذي انحدر إلينا مع تراثها الحضاري.وهذا البحث هو محاولة لسد هذا النقص في تاريخ دراسة العربية وخاصة فيما يتصل بهذا النمو اللغوي وذلك في ضوء ما قرره وتوصل إليه علم اللغة الحديث من نتائج وقوانين تحكم الصلة بين اللغة والمجتمع، ولما كان من العسير على باحث واحد أن يتتبع الجوانب المختلفة والظواهر المتعددة على مستويات الدرس اللغوي صوتاً ولفظاً وتركيباً ودلالة في إطار هذا التغير اللغوي الذي أصاب العربية منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم.فقد اختار الدكتور "حلمي خليل" ظاهرة لغوية تتصل أكثر ما تتصل بالتغير والتطور على مستوى واحد من مستويات الدرس اللغوي وهو التغير في دلالة الألفاظ والتراكيب وهي ظاهرة التوليد في اللغة ومن ثم فإن هذا البحث يقوم على فكرة أساسية ومنه ج عام. أما الفكرة فهي دراسة ظاهرة التوليد اللغوي وبيان دور المولد في إمداد اللغة العربية بحاجتها من الألفاظ والتراكيب الجديدة التي استدعتها مقتضيات فكرية وحضارية واجتماعية معينة طرأت على فكر وحياة العرب بعد انتشار الإسلام.وأما المنهج فهو المنهج التاريخي الذي يتتبع هذه الظاهرة اللغوية ونموها وتطورها في ضوء التغير الاجتماعي والعوامل المؤثرة فيهما. وكان لا بد من وقفات تحليلية اعتمد فيها المؤلف على اختيار "عينات لغوية" من الألفاظ والتراكيب المولدة في كل مرحلة من مراحل حياة العربية يقوم بدراستها دراسة لغوية مبيناً حقيقة ما طرأ عليها من تغير وتطور حتى استقرت على دلالات جديدة لم تكن تعرفها العربية من قبل.ولتحقيق ذلك كله قسم هذا البحث إلى أربعة أبواب تتخللها فصول:ففي الباب الأول درست عوامل التطور اللغوي ونمو اللغة بشكل عان أثبت فيه ما قرره وتوصل إليه البحث اللغوي الحديث من نتائج في هذا السبيل باعتبار أن ذلك هو الأساس النظري الذي أقام عليه هذا البحث، ومع ذلك فقد حرص على أن يثبت أيضاً ما التفت إليه اللغويون العرب القدماء من هذه العوامل تأصيلاً للدرس اللغوي العربي وبياناً لجوانب مشرقة في جهود اللغويين القدماء، ثم درس أيضاً هذا الباب طرق نمو الثروة اللغوية في العربية من اشتقاق ونحت ومجاز واقتراض وانقراض، وخصص الفصل الأخير لدراسة ظاهرة التوليد باعتبارها الطريق الرئيسية من طرق النمو اللغوي التي يوليها هذا البحث اهتمامه، فحدد ماهية التوليد وحقيقته وقيمته ودوره وصلته بطرق النمو اللغوي الأخرى وكل ذلك في ضوء آراء اللغويين القدماء والمحدثين مع تحديد موقف كل فريق منهم من هذه الظاهرة اللغوية.وفي الفصل الثاني حاول أن يتتبع تاريخياً ظاهرة التوليد ودورها في نمو الثروة اللغوية في العربية وذلك في ضوء التطور الفكري والاجتماعي والحضاري للمتكلمين بالعربية وخاصة بعد الفتح الإسلامي وانتشار العربية في بيئات وين أمم ذات تراث حضاري ولغوي تميز عن تراث العربية تميزاً واضحاً.أما الباب الثالث من هذا البحث فقد عقده لدراسة لغوية تحليلية لمجموعة من الألفاظ والتراكيب المولدة قديماً وقد أخذها بحيث تغطي كل جوانب التراث الفكري والحضاري للعربية فكان منها ألفاظ وتراكيب دينية وتشريعية وسياسية وحربية وفلسفية وأدبية وعلمية وعامة.أما الباب الرابع والأخير من هذا البحث فقد افرده لدراسة النمو اللغوي للعربية في العصر الحديث مع الإشارة إلى الدواعي الفكرية والحضارية التي دعت إلى التجديد اللغوي وجهود الأفراد والمجامع اللغوية في هذا السبيل وخاصة مجمع اللغة العربية في مصر الذي أولى قضية المولد في اللغة واهتماماً خاصاً انفرد به عن بقية المجامع اللغوية الأخرى. وختم هذا الباب بدراسة لبعض مظاهر التوليد اللغوي المعاصر في لغة الصحافة والأدب اليوم.