كما أن الأشجار بأجمعها لها واقع مشترك، وإن كانت مختلفة في الحجم، والشكل واللون، والثمر، وباصطلاح المنطقيين لها جنس واحد وفصول مختلفة، كما ولها أعراض مختلفة خاصة أو عامة، وكذلك بالنسبة إلى الأنواع الأخرى، وهكذا الحيوان وسائر المخلوقات سواء النباتية منها أو الحيوانية وحتى الملائكة والجن والشياطين لها جامع واحد، كذلك الأمر بالنسبة ...
قراءة الكل
كما أن الأشجار بأجمعها لها واقع مشترك، وإن كانت مختلفة في الحجم، والشكل واللون، والثمر، وباصطلاح المنطقيين لها جنس واحد وفصول مختلفة، كما ولها أعراض مختلفة خاصة أو عامة، وكذلك بالنسبة إلى الأنواع الأخرى، وهكذا الحيوان وسائر المخلوقات سواء النباتية منها أو الحيوانية وحتى الملائكة والجن والشياطين لها جامع واحد، كذلك الأمر بالنسبة إلى المجرات والكواكب وما أشبه ذلك. كذا الأمر بالنسبة إلى أحداث التاريخ فكلّ الحضارات والبداوات لها جامع مشترك في ناحية. وفي نطاق الحضارات هناك جامع مشترك لجميع الحضارات، وكذلك البداوات لها جامع مشترك، وإنما الأشكال، والصور، والخصوصيات، والمزايا، تختلف اختلافاً نوعياً أو فصلياً أو نحو ذلك، وحالها حال الأمواج التي تتقاذف في البحر، فلها واقع واحد وتكوين مشترك هو الماء، ومفهوم فلسفة التاريخ، والذي يدور حوله البحث في هذا الكتاب هو القاسم المشترك الذي يجمع الأحداث التاريخية، ويضعها أمام بصيرة الإنسان. وفائدة دراسة فلسفة التاريخ، والتعمق فيها، هي المعرفة، فإن العلم والمعرفة مطلوبان بذاتهما؛ لأنهما يسببان لذة روحية، والإنسان بطبيعته ميّال إلى اللذة نفّار من الألم جسمياً كان أو روحياً، والمراد بالروح هنا الأعم من النفس حيث هناك جسم ونفس وروح أضف إلى ذلك، فإن العلم بالجامع ينتج معرفة الإنسان بأسباب سقوط وقيام الحضارات والدول، ومثل هذه المعرفة، تفيد في تجنب الأسباب الداعية إلى السقوط والأخذ بأسباب النجاح.هذا وقد عني علماء الغرب كثيراً لدراسة هذا العلم، ووضعوا له قواعد وأصولاً، نذكر من بينهم فيلسوف التاريخ توينبي، وقديماً اهتم المسلمون بهذا العلم، وقد تخصص فيه علماء كبار كمسكويه، وابن خلدون، وابن أبي الربيع، والطقطقي، وغيرهم، أما اليوم، فلا يوجد بحوثاً في هذا المجال إلا النزر القليل بالرغم من أهميته في مجال التوجيه، وصياغة الأفكار، ونشرها، وبالرغم من دوره في خوض الصراع العقائدي، وفي بناء الحضارات.وقد قام الإمام الشيرازي ضمن اهتماماته بما تركه المسلمون من الأبحاث والعلوم، قام بوضع هذه الدراسة المهمة عن فلسفة التاريخ، ودور التاريخ في تأسيس العلوم الدينية، وهي تعدّ أول مبادرة من قبل العلماء والمسلمين المعاصرين. تكمن أهمية هذا البحث، أنه يأتي ضمن مرحلة حساسة من تاريخ الأمة الإسلامية، حيث الاستعدادات جارية للتحول من واقع إلى واقع آخر، فكان لا بد من إضاءة شمعة، تكشف للسائرين عن طريق التغيير معالم الطريق الذي يمشون فيه. وهذا الكتاب للإمام الشيرازي هو من هذا القبيل، فقد تضمن أبحاثاً حساسة، ترتبط بمستقبل الأمة، وتتعلق بأمانيها في الحياة الكريمة.