اخترت بعد الأئمة الأربعة دراسة المجتهدين على مناهجهم, لأن ذلك دراسة لفقه الجماعة الإسلامية, وتعرف لأدواره, وتقص لثمرات ما غرسه أولئك الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة, فهو تكميل لا إنشاء, واستمرار لا ابتداء. وعندما اتجهت ذلك الاتجاه, برز الخاطر إمام شغل عصره بفكره ورأيه ومسلكه, فدوى صوته بآرائه فى مجتمعه, فتقبلها عقول واستساغتها, وضا...
قراءة الكل
اخترت بعد الأئمة الأربعة دراسة المجتهدين على مناهجهم, لأن ذلك دراسة لفقه الجماعة الإسلامية, وتعرف لأدواره, وتقص لثمرات ما غرسه أولئك الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة, فهو تكميل لا إنشاء, واستمرار لا ابتداء. وعندما اتجهت ذلك الاتجاه, برز الخاطر إمام شغل عصره بفكره ورأيه ومسلكه, فدوى صوته بآرائه فى مجتمعه, فتقبلها عقول واستساغتها, وضاقت عنها أخرى وردتها, وانبرى لمنازلته المخالفون, وشد أزره الموافقون, وهو فى الجمعين يصول ويجول, ويجادل ويناضل, والعامة من وراء الفريقين قد سيطر عليهم الإعجاب بشخصه وبيانه, وقوة جنانه وحدة لسانه. واعترتهم الدهشة لما يجئ به من آراء يجدد بها أمر هذه الأمة, ويعيد إليها دينها غضبا قشيبا كما ابتدأ. ذلكم الإمام الجرئ هو تقى الدين ابن تيمية صاحب المواقف المشهودة, والرسائل المنضودة, اتجهت لدراسته مستعينا بالله سبحانه, لأن دراسته لجيل, وتعرف لقبس من النور أضاء فى دياجير الظلام, ولأن آراءه فى الفقه والعقائد تعتنقها الآن طائفة من الأمة الإسلامية تأخذ بالشريعة فى كل أحكامها وقوانينها. وإنا قد اتجهنا إلى دراسة ذلك العالم الكاتب الخطيب المجاهد الذى حمل السيف والسنان كما حمل القلم والبيان, سنجتهد فى دراسة حياته, ومجاوبتها لروح عصره, وتأثيرها فيه, ثم ندرس آراءه كعالم من علماء الكلام, وآراءه كفقيه, واجتهاده, والأصول التى تقيد بها, ومقدار الصلة التى تربطه بالفقه الحنبلى