لم تعدم "حركة" ابن سبأ اهتماماً من جانب المؤرخين الذين تناولوا مسار الخلافة الراشدية بشكل عام، وتطورات الفتنة بشكل خاص، غير أن احداً لم يخص في تفاصيلها بما يلقي الضوء كافياً على خلفياتها وتوجهَاتها، فضلاً عن النتائج التي أسفرت عنها، كذلك فإن اختلافاً بين هؤلاء المؤرخين في تقدير حجمها وانعكاساتها على المرحلة. فمنهم من سلَم بها كح...
قراءة الكل
لم تعدم "حركة" ابن سبأ اهتماماً من جانب المؤرخين الذين تناولوا مسار الخلافة الراشدية بشكل عام، وتطورات الفتنة بشكل خاص، غير أن احداً لم يخص في تفاصيلها بما يلقي الضوء كافياً على خلفياتها وتوجهَاتها، فضلاً عن النتائج التي أسفرت عنها، كذلك فإن اختلافاً بين هؤلاء المؤرخين في تقدير حجمها وانعكاساتها على المرحلة. فمنهم من سلَم بها كحقيقة، أو على الأقل كجزء من المسار التاريخي، ينطبق على ما ينطبق على بقية الأجزاء، ومنهم من تجاهلهم تماماً أمثال: محمد عبد الحي شعبان في كتابه "صدر الإسلام والدولة الأموية" ومنهم من دفع بها إلى موقع ثانوي في أبحاثه، أمثال: هشام جعيط في كتابه "الفتنة، جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" وآخر ارتاب بحدوثها وتعامل بحذر مع الرواية التي حملت أخبارها كـ "طه حسين" في كتابه "الفتنة الكبرى" ومنهم أخيراً من رفضها بالمطلق كـ "مرتضى العسكري" في كتابه عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى" والذي رأى فيها مجرد تلفيق تعمَده إخباري لا تتمتع رواياته بالثقة التامة، ولعل هذا الإتجاه له الفضل في طرح هذه المسألة على نطاق واسع. فلم يكتف العسكري بالطعن في الرواية وإنما اسقط ذلك على جميع الروايات المنسوبة لصاحبها (سيف بن عمر) ليخلص في النهاية إلى إدراجها في باب القصص الذي يقتل "السأم والفراغ" حسب تعبيره. أما رائد المشككين بها فهو طه حسين، ثم انضم اليه بوتيرة ارفع، هشام جعيط الذي قادته أبحاثه إلى الفتنة إلى حسم موقفه إزاءها باتجاه الرفض.في هذا الكتاب يناقش المؤلف أبرز الأفكار في موضوعة عبد الله بن سبأ، وهو يلفت إلى تضارب المنهج في كل اتجاه من الإتجاهات الآنفة الذكر، والتي كانت سبباً في الإختلاف، والذي –على ما يرى المؤلف- كان سردياً لدى الإتجاه الأول، فيما نزع إلى التحليل والإستدلال مع الإتجاه الثاني، وتطرق نحو الإجتهاد الخاص غير المسوغ دائماً في ظل الإتجاه الثالث.ويبقى في النهاية أن هذا الكتاب لم يكن الهدف منه، الدخول في جدل حول الداعية السبئي –الذي ينسب إليه فكرة التشيع ومشعل الإضطرابات في عهد الخليفة عثمان بن عفان، فإبن سبأ سواء أكان شخصية واقعية أم أسطورية، لا يهم مؤلف الكتاب، إنما المهم بالنسبة إليه إضافة قراءة جديدة، حدثاً ودلالة، داخل النص التاريخي وزمانه، ذلك الذي تبقى للعلاقة معه هي الأساس، وليست شخصية "البطل" التي تصبح ثانوية في ركوب "الخطر"، حيث لا تنتهي معاناة المؤرخ.