ليس هناك عصراً من عصورنا الأدبية كتب عنه ونوقش وثارت حوله الخلافات عبر مراحله المختلفة تأسيساً ومعالجة للمضامين والبنيان مثل الشعر العربي المعاصر، ومع ذلك فإن موضوعاً مثل "المؤتمرات الأجنبية" في هذا الشعر يبقى موضوع الساعة، بل لعله يعود إلى البروز بشكل أكثر حدة عند المشارفة على نهاية مرحلة من التأثيرات الأجنبية وبداية مرحلة جديد...
قراءة الكل
ليس هناك عصراً من عصورنا الأدبية كتب عنه ونوقش وثارت حوله الخلافات عبر مراحله المختلفة تأسيساً ومعالجة للمضامين والبنيان مثل الشعر العربي المعاصر، ومع ذلك فإن موضوعاً مثل "المؤتمرات الأجنبية" في هذا الشعر يبقى موضوع الساعة، بل لعله يعود إلى البروز بشكل أكثر حدة عند المشارفة على نهاية مرحلة من التأثيرات الأجنبية وبداية مرحلة جديدة. فنحن نلج اليوم عالماً فتحت فيه أبواب الاتصال والتواصل الفني والثقافي والعلمي؛ بل والإنساني عامة، وزالت الحواجز وقربت المسافات وانتشرت المعارف العامة، وستختلط عمليات التأثر والتأثير في النتاج الثقافي في عالمنا الجديد بشكل قد يصعب تحديده؛ ولكنه لا بد أن يترك آثاره العميقة على التكوين الحضاري لمعظم شعوب العالم، بوعي أو بغير وعي، بشكل لم نشهد له مثيلاً يعد في تاريخ العالم الحديث.لقد حقق الشعر العربي المعاصر حتى يومنا هذا قفزة هائلة في بنيانه ومضامينه لا نزال غير قادرين على تحديد معظم معالمها وأبعاد التأثير الأجنبي فيها. ولكن ولأن الفترات الأدبية لا تنتهي فجأة ولا تبدأ فجأة؛ فإن الكثير من المثقفين العرب يشعرون بأننا قد دخلنا اليوم مرحلة بين المرحلتين ستبدأ مؤثرات منتصف القرن العشرين على الشعر العربي تتداخل فيها مع مؤثرات نهاياته وبدايات القرن القادم.فالقرن الواحد والعشرون سيحمل تأثيرات مختلفة تماماً عما سبقها، ومجالات رحبة جديدة ومثيرة سوف تستحوذ على مخيلة الشعراء والكتاب العرب، وستكون المعين الذي يستلهمون منه معانيهم وصورهم ويطوعون بنيان قصائدهم له.لقد رافقت الشعر العربي فترة انهزام قومي عربي معقد، وقد عبّر شعرنا في هذه الفترة عن هذه الهزائم وآلامها وإحباطاتها، لكنه في الوقت ذاته حقق لنفسه نجاحات ومساهمات أغنت تراثنا الثقافي وحدثته وجعلته قابلاً للمماشاة إنفجارات التغيير السريع الذي بدأنا نعايشه. ولعلنا الآن في هذه المرحلة بالذات في موقع نستطيع أن ننظر منه إلى الشعر العربي المعاصر حتى اليوم نظرة شاملة تستفيد من التجربة المتكاملة التي مررنا بها بعد أن استقرت وأصبحت على أبواب التمازج مع مرحلة جديدة.ولعل موضوع الحلقة النقدية التي يضمّها هذا الكتاب هي مساهمة في هذا الجهد وذلك من قبل القيمين على مهرجان جرش للثقافة والفنون. والحلقة النقدية تلك هي في مهرجان جرش الثالث عشر (1994)، وهي تمثل واحدة من حلقات البحث المميزة التي انعقدت تحت قبة المهرجان العالية. وقد ضمّت بين المشاركين أسماء كبيرة في النقد والثقافة العربيين. فهم الناقد الكبير الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان واحداً من أصدقاء المهرجان الفاعلين والمساهمين الكبار فيه، ويأتي تقديم هذا الكتاب للقراء والمثقفين العرب بمثابة خدمة للحركة النقدية التي كان أعلامها الكبار يسهمون على الدوام في فعاليات المهرجان.