القصة – بمفهومها الدقيق فن... والتاريخ علم... والفن الحقيقي هو مزيج من التعبير الناجح الذي يضم بين ثناياه أفكاراً حية نابضة تتسم بالإيجابية المجدية...
من هنا كانت القصة التاريخية عملاً أدبياً ثرياً يحتاج لمزيد من الدقة والبراعة، لأن التاريخ يمدها بالوقائع الثابتة؛ ويفرض عليها روحه وأجواءه الخاصة، وصياغة التاريخ في قصة يخرج به ع...
قراءة الكل
القصة – بمفهومها الدقيق فن... والتاريخ علم... والفن الحقيقي هو مزيج من التعبير الناجح الذي يضم بين ثناياه أفكاراً حية نابضة تتسم بالإيجابية المجدية...
من هنا كانت القصة التاريخية عملاً أدبياً ثرياً يحتاج لمزيد من الدقة والبراعة، لأن التاريخ يمدها بالوقائع الثابتة؛ ويفرض عليها روحه وأجواءه الخاصة، وصياغة التاريخ في قصة يخرج به عن كونه علماً جافاً، ويدرجه في باب الفن الذي يمتع ويثير؛ وشيء آخر، وهو تصوير الكفاح القومي، والكرامة الوطنية، وهذا أمر في غاية الحساسية، إذ إن اللجوء إلى النغمة الخطابية، وإفتعال المواقف النضالية، وتسجيلها في سذاجة مستغلاً في ذلك الإصطلاحات (أو الكليشيهات) المحفوظة، كل هذا قد يبعث الملل في نفس القارئ وينفره من التكلف الظاهر الذي تصرخ به أحداث القصة وعباراتها...
فأما التاريخ... والإخلاص للفن... والواجب الوطني... هذه الثلاثة تجعل من القصة التاريخية مسؤولية كبرى، وتجعل طريق النجاح في إبرازها محفوفاً بالكد وإمعان الفكر؛ ولا شك أن حسن توزيع الأحداث التاريخية، وإظهار مغزاها، وإستنباط آثارها يكون أدعى إلى الإعجاب، وأقرب إلى النجاح إذا ما حاول الكاتب أن يربط أشخاص القصة بالأحداث، ويحاول، أيضاً أن يلجأ إلى التنويع في سرده التاريخي، كأن يدس في الحوار الجاري بين الأشخاص بعض الحقائق، أو يدع الأشخاص أو الأحداث نفسها تعبر عن التاريخ وترسم صورة صادقة له بطريقة غير مباشرة، ومن الخطأ أن يكتب صفحات طويلة مليئة بالتاريخ الخالص – كما يفعل بعض أدبائنا – لأن ذلك يجعل من القصة – كما قلنا – كتاب تاريخ...
إن اللمحة الخاطفة المؤداة ببراعة وتوفيق قد توحي بما لا توحي به الصفحات الطويلة من السرد الجاف... وقد اقتضت الظروف التاريخية أن يهتم مؤرخونا القدماء بأخبار الملوك والكبراء ويربطوهم بالأحداث، ويشيروا إلى الشعوب نفسها إشارات مجملة لا تكفي، ولا تشفي غليلاً، فما أكثر الأبطال المغمورين الذين ذهبوا ضحية الواجب دون أن تذكر عنهم كلمات تفصيلية في كتب التاريخ، ولكي نعبر عن الكفاح الشعبي ونعطيه المكانة اللائقة به كان من الواجب أن ننتزع منه شخصية تمثله – وما أكثر الشخصيات – وإذا كانت كتب التاريخ لم تحرص على تسجيل الأسماء، فلن نحيد عن الحقيقة أو الأمانة التاريخية إذا ما لجأنا نحن إلى الشخصيات الموضوعة، إلى جانب الشخصيات الحقيقية التي ورد ذكرها في بطون الأسفار...
ونقطة أخرى هي النزعة الإنسانية في القصة... إن النزعة الإنسانية تلقي على النزعة الوطنية أو القومية أضواء، وتزيدها عمقاً وثراء وشمولاً.
لقد حاول المؤلف وهو يكتب هذه القصة أن يتمثل تلك المعاني الهامة التي أشرنا إليها في السطور السابقة، كما حاول أن يناقش – على ألسنة أبطال القصة – قضايا هامة، كقضية الدين والحروب، ومطامع المغامرين وعشاق المجد، وحقيقة الحياة وأهدافها، متخذاً من قصة الكفاح العربي الرائع مع الغزاة القادمين من الغرب مسرحاً لذلك.
ولقد تبين له أثناء دراسته للحملة الصليبية السابعة وملابساتها، أن مصر لم تكن تخوض حرباً واحدة، هي صراعها مع المعتدين، ولكنها في نفس الوقت كانت تخوض معركة مريرة ضد الطغيان الداخلي المتمثل في توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب، فكانت المعركة التي يخوضها الشعب داخلية وخارجية في نفس الوقت، فأعطت بذلك صورة كاملة للنضال الأمثل الذي دارت رحاه في هذه الحقبة التاريخية الهامة...
لقد كان توران شاه مثلاً للحاكم المستبد... وكانت "زمردة" مأساة مجسمة لطغيانه... وكان "عدنان بن المنذر" رمزاً للشعب الذي يتألم ويصبر، لكنه يهب لنجدة بلاد، متناسياً أحزانه الذاتية... وكان "مارسيل" الفرنسي – الذي ورد ذكره في مذكرات جوانفيل بإختصار – مثلاً للمخدوعين والمغرور شن والحالمين بالأمجاد الزائفة... وكان لويس نموذجاً للتدين الضيق، والعصبية العمياء...
وكانت "ياقوتة" آية أخرى من آيات الإبداع النسوي الذي يبدو جلياً إذا ما أعطيت للمرأة حريتها المعقولة، وحطمت الأغلال التي تغللها، وقذفت بها الأقدار في معترك الحياة... وكان الإتحاد العربي والإسلامي في هذه المعركة ضرورة تاريخية لا غنى عنها كأي عصر من العصور... لهذا تراه لم يسجل حادثة من الحوادث أو أبرز شخصية من الشخصيات أو أجري حواراً، إلا وكان وراء ذلك هدف وغاية كبيرة...