نتمي موضوع هذا الكتاب إلى منظومة أعمال "مدرسة شيكاغو" التي أسسها المستشرق الأميركي (أوكراني الأصل) ياروسلاف ستيتكيفيتش (تلميذ السير هاملتون جب)، قبل نحو ثلاثين عاماً. وهي مدرسة ذات توجه فارق في تاريخ الاتجاهات الاستشراقية التي رصدت-أو ترصدت بـ-موضوعات الأدب العربي القديم. فقد أسهم باحثوا "مدرسة شيكاغو" في تصفية المثالب التي لفتت...
قراءة الكل
نتمي موضوع هذا الكتاب إلى منظومة أعمال "مدرسة شيكاغو" التي أسسها المستشرق الأميركي (أوكراني الأصل) ياروسلاف ستيتكيفيتش (تلميذ السير هاملتون جب)، قبل نحو ثلاثين عاماً. وهي مدرسة ذات توجه فارق في تاريخ الاتجاهات الاستشراقية التي رصدت-أو ترصدت بـ-موضوعات الأدب العربي القديم. فقد أسهم باحثوا "مدرسة شيكاغو" في تصفية المثالب التي لفتت انتباههم في دراسات المستشرقين ذوي المرجعية الدينية القامعة، القاصرين معرفياً. وكذلك الدارسين العرب الواقعين في أسر التبعية الذهنية لمناهج الغرب المفارقة لمعطيات الأدب العربي. بمعنى الكلمة، كما هو الحال في الآداب الغربية، برغم الاختلاف القائم بين نوعيهما. وأياً كانت صعوبة فهم الأدب العربي، واستغلاقه المبدئي/المعرفي على النظرة الغربية التي تضيق به، فإن قصائده، هي أعمال فنية في ذهنية الثقافة التي أنتجتها، في سياق وعي سوسيوتاريخ خاص.ومن ثم، لا يمكن أن يخضع تقييمها، أو تفسيرها، للمقاييس النقدية التابعة، أو للمناهج القائمة على الآداب الغربية، أساساً، حيث تصير تطبيقاً ملتوياً و/أومفرغاً و/أو سطحياً تماماً، مما يندرج تحت نمط شأنه من التحليل، غير الأصيل على الإطلاق، ولا يضمن هذا التضييق أكثر من كونه مجارياً لـ-أو لاهثاً وراء- أحداث (موضات) النقد في باريس أو نيويورك أو غيرهما. وبرغم اتصال عمل الدكتورة سوزان بينكى، زوج البروفيسور ستيتكيفياش، بـ"مدرسة شيكاغو" إلا أنه يحتل مكانة مائزة فيها، بتطوره إلى فهم أعمق وأشمل لطقوسيات القصيدة العربية القديمة، ومدارها الأسطوري.ومن ثم استحق إسهامها اللافت إشارة خاصة في دراسة الدكتور حسن البنا عز الدين، التي صدر بها هذا الكتاب، وشارك المؤلفة في ترجمة فصوله الخمسة، ومدارها قصائد المدح والهجاء لدى علقمة، وكعب بن زهير، والمتنبي، وطاهر بن محمد البغدادي، المهند، ومحمد بن شخيص، وابن دراج القسطلي. وهي قصائد محورية، ترتبط ارتباطاً حميماً بما يعكسه من أبعاد اقتصادية وشعائرية وسياسية واجتماعية. إن وعينا بهذه الأنساق لا يستدرجنا إلى الحط من قيمة القصيدة الجمالية، وإنما يعمق فهمنا لها، ويعلى من تقديرنا لفرادة فن الشعر العربي. ويظل الأفق مفتوحاً أمامنا لتكوين معرفة علمية جديدة بتراثنا وأدبنا الحديث على السواء.