لقد كتبتُ كل ما ستقرأه بعد هذا المفتتح وأنا أقف في نقطة أقصى ما تكون بعيدةً عن السياسة، لكنها على مسافة صفر من الموت، الموت الذي لا ينقضّ عليك، بل ينسرب إلى روحك بخفة من بين مسامات لحافك ومن ثغرات ثيابك ومن ذرات كأس مائك ومن شقوق خبزتك، دون أن تدري، كتبته وأنا على مسافة صفر من الإحساس بالخوف، الرعب، القلق، والثبات العجيب/ أو الب...
قراءة الكل
لقد كتبتُ كل ما ستقرأه بعد هذا المفتتح وأنا أقف في نقطة أقصى ما تكون بعيدةً عن السياسة، لكنها على مسافة صفر من الموت، الموت الذي لا ينقضّ عليك، بل ينسرب إلى روحك بخفة من بين مسامات لحافك ومن ثغرات ثيابك ومن ذرات كأس مائك ومن شقوق خبزتك، دون أن تدري، كتبته وأنا على مسافة صفر من الإحساس بالخوف، الرعب، القلق، والثبات العجيب/ أو البرود المذهل، على مسافة صفر من الحدث، من رائحة البارود، ولون الدم وصوت القذيفة وفتات الحياة الرمادي.كتبته وأنا أعلم تمام العلم بأن هذا – بالضبط - ما ينقص العالم، أعلم أنه ينقص العالم من يكتب من وسط المأساة، لا من حِضن الترف...وددتُ بذلك أن أقول إنني أكتب - مع سبق الإصرار – وأنا أقصد بكتابتي إزعاج هدوء العالم، وزيادة حدة توتره بدون أن أقدم له أي اعتذار.وليست تلك مذكرات شاعر عاش واحداً وخمسين يوماً تحت عدوان طاغية لم يتوانَ عن دسّ الرعب في ألعاب الأطفال، وصبّ الحقد حتى على قناني الرضاعة!هو ليس – أيضاً - تأريخاً بالوصف الدقيق للحدث والموقف.ليس استعراضاً كلاميا، ليس أيضاً ديواناً شعرياً، ولا مجموعة قصصية ولا رزمة حكائيات أحكيها تحت مظلة البراح النفسي، ليست نصوصاً تشبه غيرها من الآثام المحببة التي كان يعاقبنا عليها الجميع، ونصرُّ على ترميم شروخ أرواحنا بتوثيقها بين دفتي كتاب، أو على الأغلب بين حافتي سكين ستظل مشرعة في وجه أرواحنا للأبد.إنها: يوميات وطنهي بالضبط، يوميات الوطن المعجزة!