غادر المسافر المنزل ومشى باتجاه الطريق في حين تدوّي طرقات محمومة من خلفه، التفت فرأى العجوز يطرق أبواب الفيلات المحيطة: يدّق بجنون كل الأبواب، وبيديه العشرات من البالونات السوداء.. يصرخ: بالونات للأطفال.. بالونات بالمجّان.. خذوا أربعة عليهم واحدة هدية... خذوا واحدة عليها أربعة هدية.. خذوا كل البالونات.. خذوا أي البالونات...في حي...
قراءة الكل
غادر المسافر المنزل ومشى باتجاه الطريق في حين تدوّي طرقات محمومة من خلفه، التفت فرأى العجوز يطرق أبواب الفيلات المحيطة: يدّق بجنون كل الأبواب، وبيديه العشرات من البالونات السوداء.. يصرخ: بالونات للأطفال.. بالونات بالمجّان.. خذوا أربعة عليهم واحدة هدية... خذوا واحدة عليها أربعة هدية.. خذوا كل البالونات.. خذوا أي البالونات...في حين تتهيب كل الأبواب وتُغلق في وجهه، رأى العجوز يسقط منهكًا في مركز دائرة الفيلات، ثم رأى الهول يحلّق فوقه. فرك المسافر عينيه ظانًا أن المشكلة بهما، لو أن الأمر بهذه البساطة! تسمّر في موضعه. تفحّص في ذلك الشيء المهول فإذا به رجل مهيب في رداء أسود ينزل من فوق رأس العجوز إلى الأرض أمامه، ثم يقول: تنقضي مهلتك انقضاء، ولم تجد لروحك افتداء. كان له صوت يرج الأكوان ويرتج داخل ذاته، ثم يبقى في خيالك لا تدري كيف تصفه. بسط الرجل الأسود المهيب يده باتجاه العجوز الذي يحاول التملص: لا!! أرجوك، امنحني فرصة أخرى.. أرجوك، لا... لااا!!! تمكن الأسود من رأس العجوز، وتابع كألّم يسمعه: لتذوبي يا روحه النقية، ببئر العذابات الأبدية. أراد المسافر أن يركض كفأر مذعور، ولكنه كان يقف بلا ساقين، يحتمي بلا شيء، لم تكن تنقصه أبدًا صرخات العجوز المدوّية في هذا الفضاء، والمعبرة بدقة شديدة عن هذه الـ ’العذابات الأبدية‘! أمّا آخر ما كان ينقصه فعلاً، أن تتجه نظرات الرجل الأسود إليه، ثم تلتمع بالشر إذ يقول: أماّ أنت! ذابت لا-ساقاه، سقط، وغالبًا بلل سرواله: فلم يحن موعدك يا أنت، فما تلقيت غير أربعٍ فقط. أخرج أوراقًا من لا-مكان وقرأ: بطاقة وإطار سيارة، قلم ومياه فوّارة. لونها السواد مجموعها أربعة، خامسها العذاب لا سادس لها. نمهلك الأيام لا أكثر من ثلاث، قوانيننا السوداء ليس عنها مناص فاقبل خمسًا آخرين في رضا، لن نسألك عن أربع ما انقضى فإن أتممت الخمس العطايا، نحصد روحك كما حصد المنايا وإن تلكأت عن الخامسة، لا تنفعنا روحك الناقصة نذيبها كالأرواح الشقية، ببئر العذابات الأبدية صرخ فورًا: لا!! بئر العذابات الأبدية لا!!! ثم أدارها في رأسه، فاستدرك: ولا تحصدوا روحي كذلك. قال الرجل كعادته في البناء على كلامه السابق: ومن قبل الغياب والترحال، أذنت لك أن تسألني سؤال. فكّر المسافر، صرخ: أرجوك، ساعدني، وأكون لك شاكرًا مدى الحياة، كأن العجوز أراد أن ينقذ نفسه بمنحي تلك الأشياء، فكيف يمكنني أن أنقذ نفسي مثله؟عطاياك أنت بها حقيق، أكثر من أي عابر بالطريق وإن أردت منحتها لغيرك، فيكون من فيض كرمك انتقي بين النفوس نفس، تهبها من العطايا خمس سوداء بـ ’ماء الوهب‘ ممسوسة، ودماءك قِطَرًا عليها مدسوسة. وليس أن تمنحها فتنجو أنت، لكن ليستخدمها وهذا شرط. تصبح لنا روحه خالصة، بنهاية الليلة الثالثة. ثم قذف إليه بقنينة، وقال: ومن يسأل عن ’ماء الوهب‘، تحق له قبل الطلب. ثم دوّن في أوراقه: الاثنين منتصف الليلة، ـ بتوقيتكم ـ تنتهي المهلة. ثم عاد فاختفى من حيث أتى. صرخ الرجل في هيستيريا: انتظر.. لا تتركني هكذا.. لا تغادر قبل أن تمنحني ما سينجيني.. أنت قلت أضع عليها ماء الوهب ودمائي، وأعطيتني ماء الوهب فقط، فمن أين أحصل على دمائي، من أين أحصل على دمائي!!!؟ ثم راح في إغماءة.