تهدف هذه الدراسة إلى تتبع جملة من الملامح الإسلامية في بعض الروايات العربية. أما لم هي ملامح، فذلك لأن كلمة ملمح قد تعبر أكثر من سواها عن القصد، وخصوصاً أن الرواية العربية لم تعتمد الدين الإسلامي وقضاياها بعمق إلا فيما نذر. بقيت الجذور الإسلامية في النفس وفي الحافظة وفي اللاوعي، تصدر عنها من وقت إلى آخر. عاشت هذه الجذور في هاجس ...
قراءة الكل
تهدف هذه الدراسة إلى تتبع جملة من الملامح الإسلامية في بعض الروايات العربية. أما لم هي ملامح، فذلك لأن كلمة ملمح قد تعبر أكثر من سواها عن القصد، وخصوصاً أن الرواية العربية لم تعتمد الدين الإسلامي وقضاياها بعمق إلا فيما نذر. بقيت الجذور الإسلامية في النفس وفي الحافظة وفي اللاوعي، تصدر عنها من وقت إلى آخر. عاشت هذه الجذور في هاجس المبدع العربي تمده بالقيم وتؤطره في نظمها العامة، فغذت بذلك جزءاً من شخصيته، وإن شعر بإعتزازه الوطني كان عليه أن يستحضر دائماً الأنموذج الجهادي، وإن تحدث عن المرأة ففي الإطار العام المرسوم للمبادئ والقيم الإسلامية المتأصلة التي تشكل سياجاً مميزاً عاش في دمه وفي تجربته، وإن تحدث عن الثقافة كان على التراث أن يمثل بصورة مختلفة، وإن أراد الحضارة كان عليه أن يظهر عن نفسه أثراً من آثارها لتعيش في ضميره ووجدانه وتبقى في مثاقفته حواراً دائماً لا يمتنع عن الظهور عند الأخذ بالأسباب الحضارية الجديدة... إلخ.وأما لم هي في بعض الروايات العربية، فذلك لأن الرواية العربية منذ فجر النهضة إحتفظت بمسار خاص بها قربها من الواقع حيناً وغربها عنه في أحيان كثيرة... وفي الحالتين كانت الخلفية الإسلامية تظهر على أقلام الروائيين العرب... وكان النموذج للإنسان العربي شبه مكرر في عاداته وتقاليده وسلوكه العام. كان هذا الإنسان بحد ذاته القاسم المشترك، والموضوع المكرر في هموم الروائيين وتجاربهم... إنه إنسان يحاول أن يبني مجتمعه ويرمم واقعه ويعالج مشكلاته ويجذب شخصيته ويلتفت إلى قضاياه الخاصة والعامة... يرتبط بأرضه ويخوض مع شعبه تجربته الكفاحية من أجل العيش الكريم الخالي من الإرتهام والتبعية والإستغلال والتفرد... إنسان يخرج إلى الحياة حاملاً تراثه وتاريخه وهمومه الحاضرة في عنقه، يظهر نتيجة من نتائجها ويحاول أن يشق طريقه بها ومن أجلها، يلتحم مع المعطيات الحياتية الجديدة أثراً من آثارها.أن هذا التكرار هو ما جعل المؤلف يختار بعض النماذج الروائية من فترات تاريخية متباعدة حيناً ومتقاربة حيناً آخر...نماذج من أنحاء الوطن العربي كافة، مشرقه ومغربه، كي تبرهن على وحدة الهم عند الإنسان العربي وعلى مدى التقارب في محاولات العيش وفي التطلع إلى المستقبل، نماذج تحتوي على الملامح العامة الإسلامية في الرواية العربية.لكن هذا التتبع كان مناقشة وحواراً، أحاديث هادئة حول أحداث تجري داخل المجتمع العربي وخارجه... لا تحكمها خلفية معينة ولا موقف من روائي ما... إنما الحرص على ضرورة إيجاد مخرج للمأزق العام الذي يرسف الإنسان العربي في أغلاله هو الذي جعله يناقش بحدة حيناً وبتؤدة أحياناً أخرى.وكان لابد أيضاّ من وضع مدخل عام قبل الشروع في تناول النماذج، مدخل يوضح شيئاً من العلاقة بين الرواية والثقافة والواقع حتى تتوضح المسارات التي تمضي فيها الرواية العربية المنفتحة في كل الإتجاهات محاولة جهدها كي تكون فناً له علاقة جوهرية بالحياة وبالواقع... وهذا المدخل نوع من جلاء صورة واقع الثقافة وعلاقتها العامة سواء الموروث والموقف منه أو بالخارج ومدى تقبل أرائه أو رفضها.كما كان لابد لهذا البحث من خاتمة توضّح الآفاق العامة التي يمكن أن تؤول إليها الرواية العربية وهي تُسهم إلى حد بعيد في تصوير الواقع، وتواكب عملية بناء الإنسان العربي بشكل متكامل. مع العلم أن الرواية العربية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد وهي تتحفز لتكون عنصراً مهماً في حياتنا الثقافية، تماماً كما هو الإنسان المتطلع إلى الآفاق المستقبلية الجديدة.