إن فكرة " تنازع القوانين " المعروفة في القانون الوضعي كجزء من القانون الدولي الخاص تعتبر – إلى حد ما - غريبة عن الفقه الإسلامي لغرابة إصطلاح " تنازع القوانين " ذاته، حيث لم يرد هذا الإصطلاح في كتابات الفقهاء المسلمين القدامى. هذا من جهة الإصطلاح فقط. أما من جهة ما يعنيه إصطلاح تنازع القوانين عند فقهاء القانون الدولي الخاص، أي ما...
قراءة الكل
إن فكرة " تنازع القوانين " المعروفة في القانون الوضعي كجزء من القانون الدولي الخاص تعتبر – إلى حد ما - غريبة عن الفقه الإسلامي لغرابة إصطلاح " تنازع القوانين " ذاته، حيث لم يرد هذا الإصطلاح في كتابات الفقهاء المسلمين القدامى. هذا من جهة الإصطلاح فقط. أما من جهة ما يعنيه إصطلاح تنازع القوانين عند فقهاء القانون الدولي الخاص، أي مادة التنازع وموضوعه فمن المعتقد أنه لو تم تدقيق النظر في الفقه الإسلامي وثم متابعة أقوال الفقهاء في أبوابه خاصة أبواب السير والجهاد فلا شك في الوصول إلى وجود ما يقابله في الفقه الإسلامي والوقوف على كيفية معالجة الإسلام موضوع تنازع القوانين بصرف النظر في معرفة الإصطلاح ذاته. فهذا الإصطلاح إنما هو من مستحدثات العصر، فكل عصر له مصطلحاته وله قضاياه. ذلك لأن الفقه الإسلامي فقه كامل يفي بحاجات الناس وقضاياهم في كل عصر من العصور، فقد إحتوى على مبادئ عامة وقواعد كلية تستجيب لكل جديد، ولكل ما هو متطور، وما على المجتهد إلا أن يبذل جهده ليصل إلى أحكام الحوادث الجديدة التي يفرضها تطور المجتمعات من خلال الأحكام العامة والقواعد الكلية. من هنا كان إختيار الباحث لموضوع " تنازع القوانين في الفقه الإسلامي ". حتى يتبين للقارئ من خلاله مدى مرونة الفقه الإسلامي وشكوله وصلاحيته للتطبيق في كل زمن ومكان. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذا الموضوع يستحق البحث لما له من أهمية بالغة، إذ أنه يمس جزءاً كبيراً من المسلمين، خاصة الذين يعيشون مع غير المسلمين في الدول الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء في هذه الأيام، حيث كثر إختلاط المسلمين بغيرهم. وكثر التعامل وتنوع، تبعاً لذلك، بين المسلمين وغير المسلمين. ولما كان هذا الإختلاط وما نتج عنه من تعامل مسبوقاً في علم الله تعالى أنه سيقع، فإن الشارع الحكيم لم يغفل عن تنظيم هذه العلاقات، لذا أراد الباحث التعرف على حكم الشرع وتنظيمه لهذه العلاقات. هذا ولما كانت المكتبة خلواً من مؤلفات تعنى بهذا الموضوع من خلال دراسة فقهية حديثة متخصصة توجه الباحث لإستجلاء هذا الموضوع على نحو متخصص في محاولة للوقوف على مدى معرفة الفقه الإسلامي لفكرة " تنازع القوانين ". فكانت هذه الدراسة المتخصصة التي إلتزم فيها المؤلف بالنصوص الشرعية مستدلاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية ومصادر التشريع الإسلامي الأخرى وآراء الفقهاء في مختلف المذاهب الإسلامية في كل مسألة من مسائل الدراسة مبيناً الراجح فيها من أقوالهم مستأنساً في ذلك باقوال فقهاء الشريعة الإسلامية المعاصرين ومستعيناً كذلك بآراء فقهاء القانون الدولي الخاص بالقدر الذي يخدم البحث بإعتبار أن فكرة " تنازع القوانين " هي أصلاً من صميم موضوعات القانون الدولي الخاص، متتبعاً في طريقة عرضه للفكرة محل البحث تقديم رأي الفقه القانوني أولاً ليتبعه بموقف الفقه الإسلامي إنطلاقاً من فكرة أن الحكم على الشيء فرع من تصوره.