كانت حياة راشد حسين قصيرة إذا قيست بعمر الزمن، غير أنها حياة ضجت بعمق التجربة النضالية الفلسطينية بغزارتها وثرائها. فقد كان صوته أول صوت شعري ينطلق في الوطن المحتل في أعقاب نكبة عام 1948.. وحيداً في ساحة الكلمة، مشاركاً في كل هموم بقايا شعبه الذي وجد نفسه معلقاً على صليب العذاب… ولد راشد حسين في خضم الثورة الفلسطينية الكبرى ضد ا...
قراءة الكل
كانت حياة راشد حسين قصيرة إذا قيست بعمر الزمن، غير أنها حياة ضجت بعمق التجربة النضالية الفلسطينية بغزارتها وثرائها. فقد كان صوته أول صوت شعري ينطلق في الوطن المحتل في أعقاب نكبة عام 1948.. وحيداً في ساحة الكلمة، مشاركاً في كل هموم بقايا شعبه الذي وجد نفسه معلقاً على صليب العذاب… ولد راشد حسين في خضم الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاستعمار البريطاني ـ الصهيوني في عام 1936. ولم يكد يودع أعوام براءته الأولى حتى وجد أن الوطن قد سُحب من تحت قدميه كما يُسحب البساط، حتى قريته الصغيرة، مَصمَص، تلك القرية المتربعة على تلال وادي عارة في المثلث الصغير، الواقعة على طريق طالماً عبرته جحافل الغزاة منذ فجر التاريخ والتي استمدت اسمها من اسم أحد قادة الفرعون المصري رمسيس، حتى قريته هذه ما لبثت في عام 1948 أن تم تسليمها إلى القوات الصهيونية ضمن اتفاقيات الهدنة، شأنها في ذلك شأن بقية قرى المثلث الصغير، وهكذا و جد راشد حسين نفسه فجأة مواطناً فـلـسـطـيـنـياً يحمل جواز سفر ضده.في الخمسينات كان شاعرنا يطوف القرى الفلسطينية المحتلة يستلهمها وبقايا المدن يبكيها.. ثم يطلق العنان لحنجرته تنفث الأشعار في كل مكان من أرجاء فلسطين، في المثلث، في الجليل، في النقب.. كل القرى عرفته، كل الأزقة والشوارع والمقاهي.. ينشد.. يصرخ.. يصيح.. يبكي من غير دموع. "يافا التي رضعت من أثدائها حليب البرتقال تعطش.. وهي من سقطت أمواجها المطر يافا التي كسرت الأيام فوق هذه الرمال ذراعها تشل، حين ظهرها انكسر يافا التي كانت حديقة أشجارها الرجال قد مسحت، محششة، توزع الخدر! وكنت في يافا أزيح عن جبهتها الجرذان وأرفع الأنقاض عن قتلى.. بلا ركب وأدفن النجوم في الرمال والجدران وأسحب الرصاص من عظامها.. وأشرب الغضب."