التاريخ فرع من المعرفة يدون أحداث الماضي ويعللها. وقد أنقضى زمن كان فيه التاريخ مجرد سرد لأخبار الملوك والأسر الحاكمة والحروب وما إليها. ولكنه إتخذ في العصر الحديث وجهة نظر جديدة فأصبح يعنى بتصوير الحياة العقلية والحياة الإجتماعية والحياة الدينية وغيرها عند شعب، أو عند شعوب بكاملها، أو على المستوى الإنساني الشامل، وبالكشف عن الع...
قراءة الكل
التاريخ فرع من المعرفة يدون أحداث الماضي ويعللها. وقد أنقضى زمن كان فيه التاريخ مجرد سرد لأخبار الملوك والأسر الحاكمة والحروب وما إليها. ولكنه إتخذ في العصر الحديث وجهة نظر جديدة فأصبح يعنى بتصوير الحياة العقلية والحياة الإجتماعية والحياة الدينية وغيرها عند شعب، أو عند شعوب بكاملها، أو على المستوى الإنساني الشامل، وبالكشف عن العوامل والقوى الصانعة للتاريخ أو المؤثرة فيه وتعليلها. وهو يعتبر اليوم علماً من العلوم الإجتماعية له قواعده وأصوله ومناهجه. وقد بدأ التاريخ، أول ما بدأ. شفهياً غير مدون، تختلط فيه الأخبار بالأساطير. حتى إذا كان القرن السابع قبل الميلاد بدأ تدوين التاريخ، على نحو نظامي، في عدد من المدن الإغريقية. وما هي غير فترة يسيرة حتى ظهر هيرودوتس الذي أرّخ الحروب اليونانية الفارسية فعرف بـ " أبي التاريخ " والواقع أن التاريخ إتخذ، عند اليونان والرومان، ومن ثم عند العرب، خطين متوازيين، خط الحوليات وفيه ترتب الأحداث وفقاً للسنين، وخط التراجم وفيه ترسم مسيرة التاريخ، على نحو مداور، من خلال سير الرجال ( أو النساء ) والتحدث عن أعمالهم. وليس من ريب في أن العرب كانوا من أكثر الأمم عناية بالتاريخ وأحرصهم على توخي الدقة في تدوينه. أما بالنسبة لكتابة تاريخ القبائل العربية في خوزستان فقد ساهم الباحثون والكتاب الأجانب في إنعاش ذاكرة هذا التاريخ وحفظه قبل غيرهم من المهتمين العرب، ولكنهم تناولوا هذه المواضيع بأسلوب علمي إلى حد ما، إنما الأقلام العربية جاءت بها ليس بمضمونها العلمي فحسب، إنما بمفهومها الحضاري والإجتماعي وربما تعدّت ذلك لتشمل المعنى القومي والديني لها، وقد أوصى الرسول الأكرم بأن نحفظ تاريخنا وأنسابنا ليس للمفاخرة والمباهاة إنما للمعرفة وصلة الرحم حيث قال: " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة من الأهل ومثراة المال ومنسأة في الأجل ومرضاة للرب ". لقد إهتم العرب ومنذ القدم بالنسب، وقد تطور هذا الإهتمام حتى صار علماً له مختصوه، ثم ظهر إلى جانبه علم القيافة ليكون له فرعاً ومتمماً وظهر أيضاً علم الرجال، على كل حال ليس من الغرابة أن بعضاًمن أصحاب هذا العلم يستطيعون معرفة الشخص وتأكيد نسبه من خلال معاينة قدميه وشكل أصابعه وملامح وجهه. وفي هذا الكتاب محاولة لكتابة تاريخ القبائل العربية في إيران بمفهومها العلمي والإجتماعي وما حققته على المستويين الإقتصادي والسياسي فيما بعد، وبعيداً عن الأهواء والمصالح الشخصية وبكل موضوعية، ليس بالأمر السهل لأن قبائل وعشائر خوزستان مثلها كمثل غابة إستوائية ليس دخولها صعب فحسب إنما من دخلها ضاع، لذلك إرتكز في هذا الكتاب على المفاهيم السالفة الذكر وعلى المنطلقات والمعلومات الجديدة التي تغير واقع العيش لهذه القبائل، وخلفياتها التاريخية وتطورت من خلال الأحداث اللاحقة.