مة علاقة بين المثقف والثقافة لا سبيل إلى تصويبها إلا عبر النص المثقف، وعلى الخصوص المثقف المنتمي/العُضوي، بوصفه عاملاً في حقلي التجديد والإحياء، هول الحامل لأمانة الثقافة. وهذه بوصفها التحقق المعنوي للأمة، توازي وجودها المادي، مثلما يتوازى الجسد والنفس في هذا المخلوق العاقل. ها هنا إشكالية منهجية عميقة. الثقافة بوصفها سيلاً فكري...
قراءة الكل
مة علاقة بين المثقف والثقافة لا سبيل إلى تصويبها إلا عبر النص المثقف، وعلى الخصوص المثقف المنتمي/العُضوي، بوصفه عاملاً في حقلي التجديد والإحياء، هول الحامل لأمانة الثقافة. وهذه بوصفها التحقق المعنوي للأمة، توازي وجودها المادي، مثلما يتوازى الجسد والنفس في هذا المخلوق العاقل. ها هنا إشكالية منهجية عميقة. الثقافة بوصفها سيلاً فكرياً، ينحدر من الماضي إلى الحاضر، متجهاً إلى المستقبل، عاملاً على تشكيله، هي تيار ينطوي على جملة مواقف، يتحرك كالضوء بطاقة كامنة فيه، هي طاقة الذاتية، أي التماهي المعنوي بين الأمة وثقافتها الخاصة، بحيث أنها تتحسس الخطر إذ يتناول ثقافتها، بالدرجة نفسها التي تتحسس فيها خطراً يتناول جسدها/وجودها الماديّ. أين موقع المثقف المنحي/العضوي في هذه العلاقة؟ إنه في القلب. وظيفته الأولى والأكثر أهمية أن يحوّل تلك الحركة الذاتية-الآلية للثقافة إلى حركة عن قصد ووعي. وهذا فارق نوعي وليس مجرد تراكم في الكمّ، هو نفسه الفارق بين التلقي الساذج العفوي للثقافة، وبين الأيديولوجيا المبنية على التنظير الفلسفي. من هنا يسهل علينا اكتشاف موقع النص في العلاقة الحرجة بين المثقف المنحّي وبين الثقافة. إن مادته وثروته وسلاحه، الذي لا مادة ولا ثروة ولا سلاح له سواه في سعيه الأساسي للتجديد والإحياء. في غيابه يكون المثقف مجرّد متلقّ آخر، يتحرك بقوة التيار، أي أنه يفق خصوصيته الأساسية التي منحته صيغته.من هنا يمكن القول بأن المحدث والفقيه والمتكلم والفيلسوف هشام بن الحكم، هو أنموذج ساطع للعلاقة المستحيلة، بالنسبة للمثقف اليوم، بين الباحث وموضوع عمله التجديدي الإحيائي. فهو من جهة، أحد أبعد المفكرين أثراً في المسار الفكري الإسلامي في القرن الثاني للهجرة/الثامن للميلاد، أي في الفترة التي نضجت أو قاربت فيها المدارس والاتجاهات، والتي تحوّل بعضها بعدُ إلى مذاهب.وقد استثمر تأثيره في الأفكار والتنظيرات والآراء الكثيرة، التي ساهم فيها في المعترك الفكري العالق في بغداد في زمانه. لكن مشكلة الباحث الذي لا بدّ له من استدعاء أفكار هذا الكبير حقاً، انه لا يجد بين يديه أي نص له. ذلك أن كل ما خطته يداه قد ضاع من بعده، ولم يبق بين أيدي الباحثين اليوم إلا انطباعات الآخرين عنه. ومن المعلوم أن هذه لا تغني إطلاقاً عن النصوص الأصلية، فضلاً، وكما هو معلوم، أن كثيراً من هذه الانطباعات قد كان القصد منه التشنيع عليه. الأمر الذي كان سبباً مباشراً في شيوع أفكار باطلة عنه؛ هو بالتأكيد بريء عنه.من هنا تبرز قيمة هذا البحث الذي هو مجهود زائد يقدمه الدكتور خضر للباحثين تحت عنوان (مسند هشام بن الحكم) إذ هو أفضل ما يمكن في ظلّ فقدان نصوصه الأصلية، لأنه مستقى من أوثق المصادر، ولأنه يحتوي تسجيلات أمنية لبعض أفكار هشام وآرائه، ممّا يمنح الباحثين لأول مرة فرصة دراسة هذا المفكر الكبير استناداً إلى نصوصٍ على حدٍّ كافٍ من الثقة. وقد جعله المؤلف ضمن بابين. الباب الأول ذكر فيه سيرة هشام من الحكم العلمية والفكرية. ليقدم من ثم دراسة مفصلة عن روايات هشام عن إمامية الصادق والكاظم عليهما السلام، مشيراً إلى عناوين موضوعاتها في المسند، ليتسنى حينها للقارئ الاطلاع على عنوان الرواية، وأما تفصيلها فيرد إليها في المسند. وأما الباب الثاني: فهو مسند هشام بن الحكم، والذي هو عبارة عمّا رواه هشام وما أسند إليه من روايات عن الأمة، من خلال ما يزيد عن خمسين مصدراً شيعياً، حتى أن المؤلف قد عثر على أن ابن سبعين قد أورد في رسائله ما ذكره هشام عن إمامه الصادق عليه السلام. وتمّ ترتيب المسند ضمن خمسة فصول: الأول منها في العقائد وفيه كتابان، والثاني في الأخلاق وفيه سبعة كتب والفصل الثالث في الأحكام وفيه ثلاثة عشر كتاباً والرابع في التفسير والخامس والأخير سمّاه المؤلف بالنوادر وهو يدور حول الفرق والمذاهب كما يرد فيها هشام عن إمامه الصادق.