نبذة النيل والفرات:تؤكد لنا علاقة التفكير بالعلامات - وخاصة اللغوية منها - بأن الإنسان لا يمكنه أن يفكر إلا بواسطة رموز خارجية، وأنه بإمكان هذه الرموز والكلمات أن تقول له "أنت لا تعني شيئاً غير ما علمناك، ولذلك أنت تعني فقط لأنك تقول بضع كلمات بإعتبارها مؤولات لفكرك: وبالفعل فإن البشر والكلمات يتعلمون بصفة متبادلة: كل إثراء معلو...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:تؤكد لنا علاقة التفكير بالعلامات - وخاصة اللغوية منها - بأن الإنسان لا يمكنه أن يفكر إلا بواسطة رموز خارجية، وأنه بإمكان هذه الرموز والكلمات أن تقول له "أنت لا تعني شيئاً غير ما علمناك، ولذلك أنت تعني فقط لأنك تقول بضع كلمات بإعتبارها مؤولات لفكرك: وبالفعل فإن البشر والكلمات يتعلمون بصفة متبادلة: كل إثراء معلومات لدى شخص ما يحتم - وهو بدوره محتِّم - إثراءً موازياً لمعلومات الكلمة...فالكلمة أو العلامة التي يستعملها الإنسان هي الإنسان نفسه، وبما أن الإنسان علامة خارجية، بمعنى أن الإنسان والعلامة الخارجية متماثلان، بنفس معنى أن كلمة Home وإنسان متماثلان، وهكذا، فإن لغتي هي المجموع الكلي الذاتي بما أن الإنسان هو الفكر.من هنا، فإن ما افترضته الباحثة عند توجهها نحو دراستها هذه في سيمياء الأنساق، هو أن علماء العربية انتجوا معرفة سيميائية بطرقهم الخاصة، إذ أن الفكر العربي الإسلامي قام منذ البداية على تعليل محكم، فكل شيء بقدر وبتدبر وتفقه، ولو قام أولو الألباب بجمع العلامات والأنساق وتصنيفها ثم تحليلها من أجل إستنباط القواعد التي تحكم إستعمالها، واكتشفوا دور السياق في التأويل كما اكتشفوا إختلاف الدلالات وبحثوا في كيفية تشكل المعاني وطرائق إنتاجها.ولما كانت إعادة قراءة التراث تستدعي الكشف عن هذه المضامين وآليات الصياغة، بحيث تبدو كل إعادة قراءة بمثابة مطالبة النص بالتدليل على وسائله ومضامينه، فهي بهذا المعنى إسهام في تطوير الفكر ذاته، فقد بات واضحاً أن العمل على تطوير الفكر، لا يعني بالضرورة رفض الماضي، بل يعني أحياناً العودة إليه، لا لفهم ما سبق أن قبل فحسب، بل أيضاً لمعرفة ما كان يمكن أن يقال، أو على الأقل ما يمكن قوله الآن (وربما الآن فقط) من خلال إعادة قراءة ما قيل آنذاك.ولعله من هذا الباب فقط - يمكن تبرير الإعتماد على السيميائيات التي تقدم الجهاز الواصف المتكامل القادر على إستخلاص طبيعة التفكير في العلامات وفي أوجه الدلالة وطرائق إشتغالها، وصناعة النماذج عند علمائنا، خاصة إذا كان الإنطلاق من بديهية أن هذا التفكير كان حول النسق اللغوي.على هذا الأساس، فإن مبتغى سعي الباحثة في دراستها هذه هو إعادة تأويل المعرفة التراثية وخطاباتها بإعتبارها أنساقاً دالة صيّر لها أصحابها جهازاً منهجياً متكاملاً، ليس الهدف من دراسته هو جعله في مصاف النظريات السيميائية المعاصرة، لأن لكل واحد مجاله التداولي، ولكن من أجل الإستعانة ببعض المفاهيم المفاتيح في البحث السيميائي، وهي المفاهيم الإجرائية، خاصة، التي تمكن من إستيعاب تراثنا وخصائص سيمياء أنساقه المختلفة، بدءاً من تصورهم للعلامة ودور الإستدلال والتأويل في تحليل منطق العلامات اللغوية ودلالاتها.وإلى هذا، فإن نظرة الباحثة إلى مباحث التراث هي نظر في طبيعة اللغة الواصفة التي اصطنعها علماء العربية في فهم كيفية تشكل العلاقة، وإدراك طريقة إنتاج المعنى، وتبيّن السبيل المؤدية للدلالة، وعلاقة ذلك بالمتلقي، أي وصف طبيعة الشروط التي يجب توفرها في الكلام حتى يصبح دالاً.هذا وقد جاءت هذه الدراسة ضمن أربعة فصول، تعرضت الباحثة في الأول منها إلى حضور العلامة كموضوع في المعرفة التراثية قام النظر فيها على الإستدلال، وكان الموجه الأساس لهذا النظر القرآن الكريم، وتم عقد الفصل الثاني للمعرفة النحوية بإعتبار أن النحو اختص بالحفاظ على اللغة العربية، وتم التطرق إلى المعرفة البلاغية بإعتبار الصلة التي تربطها بالنحو، ليتم من ثم أفراد فصل للمعرفة الشعرية بعد أن نضجت.وأخيراً لإنهاء مباحث هذه الدراسة بفصل عن التحليل السيميائي للدلالة عند الأصوليين، ولتختتم بما يشبه المقدمة عن العرفانية الصوفية أملاً في إستنطاق مغاليقها لاحقاً.