رفع القرن العشرين كلمة "الكبت" كسوط يلهب به ظهور الآباء والأمهات، حتى صارت التربية الغالبة في العصر الحديث أن نترك للابن الحبل على الغارب، فتربيه نيابة عن الأهل مسلسلات التلفزيون والمربيات المستوردات من الخارج. وقام علماء النفس بجريمة غامضة لم يعاقبهم أحد عليها، وهي جريمة توزيع كلمات صعبة مثل "احذر أن تصيب ابنك بالاكتئاب" ومثل "...
قراءة الكل
رفع القرن العشرين كلمة "الكبت" كسوط يلهب به ظهور الآباء والأمهات، حتى صارت التربية الغالبة في العصر الحديث أن نترك للابن الحبل على الغارب، فتربيه نيابة عن الأهل مسلسلات التلفزيون والمربيات المستوردات من الخارج. وقام علماء النفس بجريمة غامضة لم يعاقبهم أحد عليها، وهي جريمة توزيع كلمات صعبة مثل "احذر أن تصيب ابنك بالاكتئاب" ومثل "احذر أن يكون ابنك انطوائياً"، ومثل "احذر من عقدة أوديب أو عقدة الكترا" وانهمرت في الصحف والمجلات وجهات نظر علماء النفس، وطبعاً كل ما يحكيه العلماء هو افتراضات نظرية وأبحاث في بعض الأساطير الإغريقية، ومحاولة ربط الواقع اليومي بدنيا متخيلة، وصار الواقع مختلفاً عن النظريات، وتمّ توزيع الشك بالعدل والقسطاس المستقيم على الآباء والأمهات.وطبعاً كان أكثر الناس تأثراً بما يقوله هؤلاء العلماء هم الآباء والأمهات الجامعيون، هؤلاء الذين وثقوا بالحضارة المعاصرة وارتبطوا بها، ونسوا أنها حضارة تغير جلدها ومعلوماتها كل خمس سنوات على الأقل، وأن الوصول إلى حقائق نهائية في مسائل تربية الأطفال لم يتفق عليها أهل العلم وأصحاب النظريات. فالطفل في حالة القسوة من الأب والأم قد يخرج إلى العالم وهو ذلك الإنسان القاسي، صاحب القلب الذي لا رحمة فيه وصاحب المواقف الصارمة، والذي يقيس كل شيء بميزان لا يعرف الحنان. والطفل في حالة التدليل المبالغ فيه يخرج إلى العالم والدنيا عنده "سداح مداح"... النجاح فيهما كالفشل والصدق كالكذب.إذن ما هو الأسلوب الأسلم في تربية الأبناء؟ يقول الدكتور سبوك بأنه على الآباء أن يفرغوا آذانهم من تلال النصائح التي تلقى في آذانهم في منهجية تربية أبنائهم وليلتفت كل آب وأم إلى إحساسه الداخلي. فابنك هو إنسان، وأنت تبتغي سعادته، وسعادته لن تأتي بحصاره في نمط معين من الحياة نفرضه عليه. وإلى هذا فإن سعادة الابن لن تأتي بإطلاق العنان له ليفعل كل ما يريده ولا أن تصرخ في وجهه عند أدنى بادرة للخروج عن السلوك المطلوب. إن الأب المحب، الحازم الحاسم، المتسامح من دون تزمت هو الأب الذي يعرف أن إحساسه يتجه إلى تربية ابنه بالتفاعل لا بالقهر، وبالتفاهم لا بالقسر، وبالحنان لا باللامبالاة.هكذا يأخذ الدكتور سبوك ومن خلال كتابه "تربية الأبناء في الزمن الصعب"، بيد الآباء والأمهات على دروب التربية السليمة في هذا العصر التي تختلط فيه المفاهيم، وتتغير المعايير، لتصبح علمية التربية من أشقّ الأعباء الملقاة على الآباء والأمهات. لقد توصل الدكتور سبوك ومن خلال خبرته في المجال التربوي إلى منهجية تربوية تتسم بالنظرة الموضوعية وبالحفاظ على التقاليد والأسس الدينية، وهذه المنهجية هي غريبة على أساليب التربية الغربية.