أضع هذا الكتاب بين أيدي طلابي الأعزاء وطلبة العربية الذين ينشدون النحو يسيراً سهلاً واضحاً شافياً مبنياً على كتابي السابق "النحو الشافي" بعد أن زدت فيه فصولاً وقضايا كثيرة حتى يصبح شافياً وشاملاً في الآن نفسه.ولقد توخيت أن أعرض قضايا النحو عرضاً فيه يسر وسهولة بلغة واضحة حديثة معاصرة قريبة إلى قلب طالبنا، لتأخذ من قلبه مكاناً وم...
قراءة الكل
أضع هذا الكتاب بين أيدي طلابي الأعزاء وطلبة العربية الذين ينشدون النحو يسيراً سهلاً واضحاً شافياً مبنياً على كتابي السابق "النحو الشافي" بعد أن زدت فيه فصولاً وقضايا كثيرة حتى يصبح شافياً وشاملاً في الآن نفسه.ولقد توخيت أن أعرض قضايا النحو عرضاً فيه يسر وسهولة بلغة واضحة حديثة معاصرة قريبة إلى قلب طالبنا، لتأخذ من قلبه مكاناً ومن فكره حيزاً- كما عودته دائماً في محاضراتي- محاولاً قصارى جهدي أن أغرس في الذهن أن النحو ليس معقداً، وليس طلاسم ورموزاً لا حل لها، ولكنه علم ثابت راسخ الأركان قريب إلى الفهم لمن كان ذا لب مبصر واعٍ، قريب إلى الفهم لمن عزم على فهمه، ليس هذا فحسب، وإنما هو علم ممتع أيضاً، والمفروض أن يستمتع به مدرسه ودارسه معاً، لأنه يخاطب العقل ويفتن الذهن، ويزرع في مدرسه ودارسه الواعيين الثقة بالنفس، وهو بالإضافة إلى ذلك كله يتماشى مع طبيعة اللغة، وقادر على أن يثبت روعتها وعبقريتها.فقد ظُلم النحو ظلماً ما بعده ظلم حينما شاع القول إن النحو صعب لا يفهم، وكنت دائماً ممن يؤمنون بأن النحو في جوهره وفي قضاياه الأساسية ليس صعباً الصعوبة التي تشاع عنه -ولكنه شأنه شأن العلوم الأخرى بحاجة إلى دراسة جادة وبحاجة إلى عناء- وكنت أقول لطلابي دائماً إن معرفتك للفاعل أنه هو الذي فعل الفعل وأحدثه، تكفيك هذه لأن تتعرف الفاعل في أية جملة كانت على أي وضع جاء وتحت أي ستار تخفى. وإن معرفتك للحال أنه هو الذي يبين كيفية حدوث الفعل تكفيك هذه لأن تلتقطه أياً كان الشكل الذي جاء عليه.وإن المفعول لأجله ينبئك عن نفسه إذا ما فهمت ما دوره في الجملة. وإن التمييز إذا ما فهمت وظيفته تسمعه يناديك بأنه هنا وفي هذا المكان من الجملة.ومم يؤسف له جداً أن يتلقى النحو هجوماً شرساً غير مقبول من المعاصرين الذين دعا بعضهم إلى إلغاء الإعراب وإلى تسكين الكلمات وإلى إلغاء ألقاب البناء والإعراب فحاول بعضهم تجديد النحو ونادى بعضهم بنحو جديد، ورأى بعضهم موت النحو وبعضهم أن النحو جناية، ولعمري إن النحو سيبقى قلعة حصينة شامخة تحمي اللغة وتصونها من عبث العابثين وما علم هؤلاء بأن عملهم هذا لو نجح -ولن ينجح- سيجعل اللغة عُرضة للاضمحلال والاندثار وسيجعل الأجيال العربية القادمة منقطعة عن التراث الأصيل والجذور الراسخة، وواهبة الصلة بالقرآن العظيم القائم أصلاً على اللغة ومفاهيمها ودلالاتها وطرق أدائها.إن الصعوبة التي في النحو هي حالة طارئة وخارجة عن طبيعته، إنها متأتية من النحاة القدماء الذين زجوا فيه قضايا ومسائل هي أبعد ما تكون عن جوهر النحو، من أجل أن يتنافسوا فيما بينهم، ومن أجل أن يتباهوا بمقدرتهم العقلية الخارقة، ومن أجل أن يحتل اسمهم حيزاً في تاريخ النحو. ومتأتية أيضاً من الذين ألفوا في النحو على مر العصور حتى الذين ألفوا في عصرنا لطلبة المدارس بأساليب معقدّة متلوية، دفع ضريبتها الطالب الذي يندفع حباً في العربية إلى محاولة فهمها وإتقانها؛ فبدلاً من أن يبذل جهداً واحداً من أجل أن يفهم النحو صار يبذل جهدين اثنين: جهداً في فهم النص والقدرة على متابعة المؤلف الذي تصعب متابعته، وجهداً في فهم القضية النحوية.وقد زاد الطين بلة أن الذين يتولون تدريس النحو الآن هم في معظمهم ليسوا على قدر المسؤولية الجسيمة التي يتحملونها فلا هم يفهمون النحو ولا هم بقادرين على أن يفهموه للآخرين.لقد سئلت مرة ما الذي قدمته لطلابك خلال تدريسك للنحو في الجامعة مدة ثلاثة عشر عاماً فقلت يكفيني أنني غرست في نفوسهم أن النحو يسير، وأنه بالإمكان أن يفهم، ويكفيني أنني كنت اشعر وأنا أدرسهم بأنهم مرتاحون لطريقة عرض قضاياه ومرتاحون لأنهم يفهمون ما أشرحه وأوضحه من غير ملل أو انزعاج، وكنت ألمح في عيونهم الدهشة من أن النحو هو هكذا.لقد دأبت في كل موضوع من مواضيع النحو - في هذا الكتاب- على أن أعرض قضاياه قضية تلو قضية عرضاً مباشراً بلغة واضحة مأنوسة محاولاً أن أمثل على كل قضية أو حكم بمثل واضح أو مثلين، مع إعراب أحدهما أو كليهما إعراباً يجعل الأمر واضحاً مفهوماً، ثم عملت على أن أختتم كل موضوع بشواهد تفصيلية على كل قضية من قضايا الموضوع معيناً الطالب على معرفة مواضع الشواهد بكتابتها بالخط الأسود حتى لا يعني الطالب نفسه في البحث عنها، وحتى لا يقع في الحيرة من معرفة هذه المواضع حيرة قد تنفره منها أو تبعده عن أن يتأملها.ولقد جمعت للدارس أكبر قدر ممكن من شواهد القرآن الكريم الأبلغ والأفصح، وقد كتبت على الصورة المكتوبة عليها في القرآن، ومن شواهد الشعر على مر العصور، محاولاً أن أمثل بأكبر قدر ممكن من الشعر المعاصر الذي يتمشى مع لغة الطالب المعاصرة، والذي يصادف هوى في النفس، ووقعاً في السمع والقلب، فأضرب بذلك عصفورين بحجر واحد متعة الطالب وفهم الطالب السريع، وكانت هذه الأمثلة لأفضل الشعراء المعاصرين مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والبارودي.ولقد حاولت أن ألملم الموضوعات النحوية - ولملمتها مشكلة قديمة تظهر في المؤلفات بشكل جلي، كل مؤلف يرتب حسب اجتهاده- قدر استطاعتي وحسب اجتهادي بأن هذا هو الأنسب، فوضعت موضوع النواسخ تحت عنوان المبتدأ والخبر الذي وضعته تحت عنوان "المرفوعات" مع الفاعل ونائب الفاعل مستثنياً أفعال القلوب والتحويل التي وضعتها تحت عنوان المفعول به الذي يدخل تحت "المنصوبات" ولكن بعد أن أشرت إلى هذه الأفعال بعد النواسخ مباشرة. ووضعت الاستثناء والنداء والتنازع والاشتغال ومجموعة من الموضوعات تحت عنوان "الأساليب" لا تحت عنوان المنصوبات لأنها أساليب حقاً ولأنها لا تأتي منصوبة فقط وإنما على أوضاع إعرابية مختلفة، ووضعت اسم الفعل مع المشتقات تحت عنوان "الأسماء العاملة عمل الأفعال".ولقد جاء هذا الكتاب في أحد عشر فصلاً: الأول: الكلام وما يتألف منه. الثاني: الإعراب والبناء. الثالث: النكرة والمعرفة. الرابع: المرفوعات. الخامس: المنصوبات. السادس: المجرورات. السابع: التوابع. الثامن: الأسماء المعاملة عمل الفعل. التاسع: الأساليب. العاشر: الممنوع من الصرف والعدد. الحادي عشر: الجملة وشبه الجملة.ولقد أضفت إلى هذا الكتاب زيادة على النحو الشافي: الفصل الثالث المتضمن النكرة والمعرفة، وأضفت إلى الأساليب أسلوب الحكاية"، وأضفت إلى العدد "كنايات العدد" وأضفت إلى الفصل الثاني أحكاماً في الشرط وقضاياه وزدت معلومات كثيرة وفوائد عديدة في كل الفصول.وكنت أتخذ مواقف في بعض القضايا فأقول "وأنا أرى" أو "ورأيي" وكنت أشير إلى بعض لغات العرب كلما سنحت الفرصة، وأشير إلى بعض مواقف من غير أن أثقل على القارئ وليبقى القارئ على صلة باللغة الحقيقية والتراث.