عاش أبو العلاء المعري في العصر المسمى بالعصر العباسي، هذا العصر الذي شهد اندلاع العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية، أبرزها سقوط دولة الحمدانيين، وتأسيس القاهرة وبناء الجامع الأزهر في مصر، واستخدام الغلمان في البلاطات واستبداد الفتن المذهبية والدينية، والإسراف في التفنن... كان لهذا كله أبعد الأثر في منحى أب...
قراءة الكل
عاش أبو العلاء المعري في العصر المسمى بالعصر العباسي، هذا العصر الذي شهد اندلاع العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية، أبرزها سقوط دولة الحمدانيين، وتأسيس القاهرة وبناء الجامع الأزهر في مصر، واستخدام الغلمان في البلاطات واستبداد الفتن المذهبية والدينية، والإسراف في التفنن... كان لهذا كله أبعد الأثر في منحى أبي العلاء الفكري والأدبي والنفسي. اختلف الناس، والعلماء، في النظرة إلى أعمى المعرة، اختلافاً بيناً، إذ رأى بعضهم فيه ذلك المتوحد المجهول، أما بعضهم الآخر فاعتبره باطنياً، وبعضهم قرمطياً، بعضهم رأى فيه ذلك الزنديق الملحد الجاهد للبعث والنشوز، وآخرون رأو فيه المؤمن العميق الإيمان. والذين توفروا على قراءة كتبه، ودواوينه الشعرية-اللزوميات خاصة-لم يخرجوا بنتيجة حاسمة نظراً إلى فكر أبي العلاء المستغلق أشد الاستغلاق، والمبهم أشد الإبهام. وأياً يكن، فإن أبا العلاء شاعر فريد، متناقض أشد التناقض، مؤمن، موقن، مثبت آناً، ملحد، مشكك ينفي ما يثبته، آنا آخر... مادي حيناً وروحاني حيناً آخر، جبري، قدري معاً.ديوانه "اللزوميات" والذي يتضمن حوالي أحد عشر ألف بيت من الشعر، عكف على نظمه ووضعه في السنوات العشرين، أو الثلاثين، إلى أخريات عمره، ديوانه هذا على قدر كبير من الأهمية، ومن الصعوبة في فهمه وفيه خرج أعمى المعرة عن مألوف الشعراء، شكلاً ومضموناً، لم يُعِن بالأغراض الشعرية المتداولة، بل اتخذ لنفسه مساراً آخر، غرد فيه خارج سربه، فرغ لنفسه، لفكره، الحب على مخزونه الثقافي والعلمي، عزف من وجدانه وإحساسه وفكره، فطلع بشعر إبداعي جديد كل الجدة... أما ديوانه الموسوم "سقط الزند" فهو دون الأول، سبر غور، وتقصى أفكار ومعانٍ، لقد تضمن الشعر الذي قاله أبو العلاء قبل آخر ثلاثينياته أو عشرينياته، أي قبل أن يفرض على نفسه العزلة الموحشة، بعيداً عن الاختلاط بالناس، إلا ما ندر، وفيه خرج أبا العلاء عن مألوف الشعراء، شكلاً ومضموناً، فنجده فيه مثل سائر الشعراء، الذين تعاطوا هذه الصناعة، متوكئين بعضهم على بعض في الشكل والمضمون، في المبنى والمعنى... لقد مدح ضرير المعرّة كما مدح الآخرون، متكسباً حيناً، وغير متكسب حيناً آخر. وصف الطبيعة الميتة وحن للأوطان تألم، شكا، تأمل...وفي هذا الكتاب في سلسلة "اعلام الفكر العربي" دراسة أدبية تاريخية دوّنها الدكتور "يحيى الشامي" ليتحدث فيها عن المعري وعصره الذي عاش فيه وآثاره الأدبية والشعرية وتحديداً ديوانيه "اللزوميات" و"سقط الزند". متقصياً أغراضه الشعرية، وأسلوبه في تدوين الشعر، وتأثير العصر الذي عاش فيه على ما كتب وخصوصاً ديوانيه "لزوم ما لا يلزم" و"سقط الزند". وللإحاطة بجميع جوانب الموضوع قسّم الباحث دراسته إلى قسمين رئيسيين هما: 1-أبو العلاء وسقط الزند، 2-أبو العلاء واللزوميات. وقدم لهذين القسمين بمقدمة تتضمن نبذة عن صورة العصر، وأخرى عن سيرة حياة الشاعر. أما القسم الأول فيتضمن مباحث ستة هي: أ-المدح، ب-الرثاء، ج-الفخر، د-الغزل، هـ-الوصف، وأغراض أخرى. وأما القسم الثاني فهو يتضمن مباحث هي أ-الشر طبع غالب، ب-النقمة على البشر، ج-نقمة على الدنيا، د-زهد وتقشف، هـ-هل كل المعري ملحداً؟ وهل كان المعري فيلسوفاً؟ واستتباعاً للفائدة فقد أنهى الكتاب بطائفة من مختارات شعر أبي العلاء.