مساء، إن الوقت الوحيد الذي ترى فيه أمل جالسة مسترخية، لا تدور في أرجاء البيت مثل المكوك. تنظف، تطبخ، تغسل، أو تكوي الملابس. مساء الساعات المعدودة الفاصلة ما بين العصر ووجبة العشاء. ساعة خروج الرجال إلى المقهى وانطلاق الأولاد إلى شارع المحلة أو الدربونة للعب مع أصدقائهم. وبقاء البنات مع أمهاتهن. بقاء النساء لوحدهن في البيت، تبطئ ...
قراءة الكل
مساء، إن الوقت الوحيد الذي ترى فيه أمل جالسة مسترخية، لا تدور في أرجاء البيت مثل المكوك. تنظف، تطبخ، تغسل، أو تكوي الملابس. مساء الساعات المعدودة الفاصلة ما بين العصر ووجبة العشاء. ساعة خروج الرجال إلى المقهى وانطلاق الأولاد إلى شارع المحلة أو الدربونة للعب مع أصدقائهم. وبقاء البنات مع أمهاتهن. بقاء النساء لوحدهن في البيت، تبطئ حركة الزمن. تتمدد الساعات والدقائق والثواني. تسترخي مع النساء. يصبح لها معنىً جديداً لا يرتبط بالأعمال التي يجب أن تنفذ قبل عودة الأب أو الزوج من مكان العمل إلى البيت. مساء. البيت وما يحتويه من زمن ملك للأمهات الزوجات والبنات... للنساء. تقسيم الأدوار واضح. النساء الحاضرات كانت تصرفهن كلهن، ترتاح لوجودهن. تشعر بالألفة والدفء لمجرد جلوسها على مقربة منهن، حتى حين لا تفهم ما يتبادلنه من أحاديث. تسهو عن الكلام إذا كنّ يتحدثن بصوت عال. فتعيش في عالمها الخاص. تنتقل إلى بيت صغير يضمها ودميتها فتؤدي دور الأم، أو تنحني على ورقة موضوعة، أمامها على الأرض، لترسم جبالاً شاهقة ونهراً ونخلة، تحيط كلها ببيت تشرق عليه شمس كبيرة مدورة، تمد أشعتها بشكل خطوط متموجة إلى سطح الأرض، وترصع صفحة السماء بنجوم تنافس الغيوم في حجومها. قال لها والدها مداعباً: مستحيل، أنت تجمعين بين الليل والنهار، بين الشمس والنجوم. أجابته بعناد وإصرار: إذا أريد.. يصير. إلا أن فضولها كان ينبثق بقوة حالما تنخفض درجة أصواتهن وتدرك بأنهن يتهامسن لئلا تسمعهن. فترفع رأسها عما يشغلها وكأن غياب أصواتهن طرق عنيف على بوابة عالمها. يوقظها من الغياب. استجابة، تفتح الباب لتنصت لكل كلمة يتلفظن بها..".