الحرب العراقية ما كانت سوى مجرد لعبة، وانتهت وربما تتوالى بسقوط بغداد. كانت صدمة هائلة لم يستطع أحد الخروج منها، وشيء تحت الرماد والركام راح يتململ. صوت خافت ما فتئ يتصاعد. وقليلاً قليلاً بدأت الصور تتعاقب. جنود يتساقطون وآليات تحترق وطوافات تتساقط كأوراق الخريف. مقاومة عراقية انبعثت من تحت أنقاض حزب البعث ودماره المنتشر عبر الع...
قراءة الكل
الحرب العراقية ما كانت سوى مجرد لعبة، وانتهت وربما تتوالى بسقوط بغداد. كانت صدمة هائلة لم يستطع أحد الخروج منها، وشيء تحت الرماد والركام راح يتململ. صوت خافت ما فتئ يتصاعد. وقليلاً قليلاً بدأت الصور تتعاقب. جنود يتساقطون وآليات تحترق وطوافات تتساقط كأوراق الخريف. مقاومة عراقية انبعثت من تحت أنقاض حزب البعث ودماره المنتشر عبر العراق كله. مقاومة بلا وجه مع كثرة الوجوه، قاتلت بجزء ضئيل جداً من السلاح الذي لم يقاتل به نصف مليون رجل. مقاومة انحشرت في مثلث سني لم يتوقعها أحد فيه بعد انهيار النظام. وهي المقاومة التي غيرت في استراتيجيات واشنطن، وربما تغير وجه العالم كما فعلت مرة مقاومة فيتنام ثم مقاومة أفغانستان، لو تتضافر الشروط وتتزاحم الأكتاف.ومع انكشاف سلسلة الأكاذيب التي مهدت للحرب، راح توني بلير يترنح من رائحة الدم، دم خبير الأسلحة البريطانية ديفيد كيلي، الذي آثر الموت احتجاجاً على أن يكون شاهد زور. وارتسم المشهد القائم بسرعة ووصلت شظاياه إلى البيت الأبيض في واشنطن، كأن حلفاء الحرب أحجار في لعبة الدومينو، أن سقط واحد تداعى الآخرون، ولكن لحسن حظ الجميع، وبوشاية واشٍ، علقت سمكتان كبيرتان في صنارة القوات الأمريكية بالموصل، عدي وقصي ابنا صدام حسين، فمن تصاريف القدر أنهما كانا معاً يختبئان من قدرهما المحتوم، وهما اللذان كان ذخر صدام والجعبة التي يرمي بها أعداؤه، قضيا معاً في معركة غير متوقعة ضد جنود البر والجو وكافة أنواع الأسلحة، وتحولا ببساطة إلى أسطورة صغيرة جعل منها صدام حسين مأساته الشخصية التي تزوده بالعزم.أما الفصل الأخير، فرسمه صدام حسين نفسه حين وقع في قبضة الأمريكيين بعد ثمانية أشهر من سقوط تكريت، بالقرب منها وفي المكان نفسه الذي هرب منه إلى سوريا بعد مشاركته في محاولة اغتيال الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم عام 1959. كأنه على موعد مع النهاية من حيث بدأت الخرافة. خرج من حفرة ضيقة أشبه بالقبر الاختياري، وحيداً بلا حراس ولا أعوان، أشعث أغبر، طويل شعر الرأس واللحية. والأكثر غرابة أن رجلاً آخر كان متوقعاً في هذا الموقف بالذات، رجل الكهف أسامة بن لادن، فإذا بجورج بوش يحصل على المشهد نفسه من بديل هو أكثر سهولة بكثير من الأصيل، وفي حرب كانت هي الموازية لحرب أخرى لا تنتهي. والحظ كان مرة أخرى، إلى جانب بوش. فاعتقال صدام أو الإعلان عن ذلك، صادف انتشار فضية شركة هالببير تون" المحظية، والتي تبيع النفط للجيش الأمريكي في العراق، بسعر مبالغ فيه، والفضيحة تطال مباشرة نائب الرئيس ديك تشيني.من وحي هذه المصادفات المزعومة، ومن عمق المفارقات وفي محاولة للبحث عن الحقيقة، وعن رواية مغايرة تفك اللغز، لغز السقوط المفاجئ كالسكتة القلبية يأتي هذا الكتاب الذي وضع المؤلف من خلاله يده على رواية غير متوقعة، رواية روسية غير رسمية مستندة إلى تقارير الاستخبارات العسكرية الروسية دون أن يكون أعضاء هذه المجموعة عملاءٍ في هذه الاستخبارات، وأيضاً كشف المؤلف حقائق من خلال موقع إلكتروني هو مركز تحليلي أنشئ مؤخراً على يد مجموعة من الصحافيين والخبراء العسكريين الروس، وذلك بهدف تغطية أخبار الحرب في العراق لحظة بلحظة وتحليل العمليات الحربية. ومن ثم أجرى المؤلف مقارنة مع رواية إسرائيلية غير رسمية أيضاً من موقع إلكتروني إسرائيلي مقره القدس المحتلة، ومتخصص بالإرهاب الدولي والاستخبارات والصراعات الدولية والإسلام والشؤون العسكرية والأمن والسياسة.وجد المؤلف، كما سيلحظ القارئ تقاطع الروايتين الروسية والإسرائيلي في رسم خطوط المواجهة والاستراتيجيات وتكشفان كثيراً من خفايا الحرب الأمريكية على العراق والنجاحات والإخفاقات، بخلاف تقرير "الدروس الفورية لحرب العراق" للخبير العسكري الأمريكي أنتوني كوروسمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. فالرواية الأمريكية تبقى على غزارتها مليئة بالفجوات، ومحشوة بالأرقام الخرساء، ولأهمية التقارير الروسية وترابطها الداخلي ضمن منطق محدد، وربطها الأحداث بعضها ببعض واستخلاص الدروس العسكرية بطريقة أكثر معقولية، جعلها المؤلف متناً لرواية يوميات الحرب واضعاً إياها بين هلالين، تاركاً التقارير الإسرائيلية والأمريكية والعربية لتملأ الهوامش في معظم الوقت، لكنها أحياناً كانت تفوق المتن أهمية لا سيما عندما تملأ فراغاً متروكاً عمداً أو عفواً.وكانت استعانة المؤلف بحشد كبير من التقارير والتحليلات العسكرية العربية والأجنبية التي تضيء للقارئ شيئاً مما عتم، أو توضح له أمراً غَمُضْ، أو تورد جديداً مما تمّ تجاهله، مخلياً في المجال للروايات الهامشية أو المهمشة حول ما جرى في معركتي المطار وسبب سقوط بغداد وأحاديث الخيانة. مع اختيار ما وجد مضموناً متقاطعاً ومتقارباً لرسم رواية متكاملة بأقل قدر ممكن من المبالغة والخيال، أو على العكس بأكبر نسبة من الحقيقة والصدق. فكان هذا الكتاب تجربة قاسية مع الوقائع المتداخلة والمتضاربة والروايات والإشاعات ذات الأغراض المتناقضة وكان أسلوبه جامعاً ما بين أسلوب التحقيق الصحافي السلس ونهج البحث الجاد الجاف، في تقسيم ثلاثي هو: المقدمات واليوميات والعواقب.