الشوارع في الرواية المصرية

ما بين شوارع المحروسة وحواريها، وما بين دروبها وأزقتها، يطوف بك هذا الكتاب "الشوارع في الرواية المصرية"، للكاتبة الصحفية هالة فؤاد، التي تشعل بداخلنا بكتابها الجديد الحنين إلي تراثنا الأدبي الروائي المصري، وإلي الأعمال التي تتخذ من المكان بطلاً لها، والأماكن بالنسبة للأديب مثل البشر، فهناك أناس يمرون عليه مرور الكرام دون أن يتركوا علامة في قلبه أو عقله، وآخرون قد تتذكرهم لفترة ثم تعاود نسيانهم لاحقًا، لكن البعض يحفر نفسه بثنايا القلب وتلافيف المخ، ويطبع بصمته الساحرة علي الروح، فتعجز عن تجاهلهم أو نسيانهم، هذه هي الأماكن التي تجد لنفسها مكانًا بين صفحات الأدب وسطور الروايات، وتصبح في بعض الأحيان العنصر الفاعل في النص، ربما أهم من الشخوص بمعناهم التقليدي.ومن خلال رؤيتها الأدبية وتحليلها العميق، تسير بنا هالة فؤاد بخطي حثيثة لندخل معًا زقاق المدق، ونعيش مع نجيب محفوظ وروايته العبقرية التي تحمل الاسم نفسه، ثم ندلف إلي السيدة زينب لننهل من قنديل أم هاشم، رائعة يحيي حقي التي نقلت صورة واضحة لهذا الحي الشعبي العتيد، ثم تدور بنا في عطفة خوخة وأبو الريش وقلعة الكبش وغيرها من الأماكن التي أثرت تراثنا الروائي المصري، وزينت بعبقها وتاريخها أقلام الأدباء والمبدعين، ليخرجوا لنا عصارة عشقهم للمكان، ويترجموه إلي كلام منظوم.وتقول الكاتبة والأديبة نوال مصطفي رئيس تحرير كتاب اليوم، إن المكان هو ذلك الكائن الشاهد علي كل شيء، فهو ليس شيئًا مصمتًا، أو جمادًا أصم، بل هو بشكل ما ذاكرة تحفظ حكايات وأسرار، وصوت ينطق من بين الأركان والزوايا.. صوته مخبوء علي شكل أكواد أو شفرات لا يستطيع أن يفك طلاسمها إلا شخص ذو طبيعة خاصة.. شخص يجيد فضيلة التأمل والتقاط التفاصيل الدقيقة، وتضيف: "كثير من الأدباء صنعوا من المكان ركيزة لعالمهم الروائي، وجعلوا من الأماكن شاهد عيان علي أحداث الرواية، وأحيانًا جعلوا منه بطلاً أساسيًا وشخصية محورية واعتبارية يدور في فلكها شخوص وأحداث وعوالم، فالحجر علي الحجر والحائط جوار الحائط والبنيان بعد بنيان يكوّنون شوارع وحواري وأزقة مليئة بأنفاس البشر وبأحلامهم وآلامهم. بطموحاتهم وإحباطاتهم.. وكأن الجدران كائن ينبض ويحس!"