حال وصولها إلى الركن، الذي غالباً ما يكون لها، تغضُّ بصرها. تغلق عينيها وتتلمس طريقها عبر هواء الصباح النديّ. تعدُّ خطواتها حتى تصل إلى الرقم خمسة ثم تقف عند «قف»، وبكل ثقة تفتح عينيها وتنتظر. اعتادت أن تقف على ناصية الشارع الموازي لمنزلها، ترتكز قدمها اليمنى على شاخصة «قف»، وتتعامد معها اليسرى لتشكلا معاً زاوية قائمة لا تعترضها...
قراءة الكل
حال وصولها إلى الركن، الذي غالباً ما يكون لها، تغضُّ بصرها. تغلق عينيها وتتلمس طريقها عبر هواء الصباح النديّ. تعدُّ خطواتها حتى تصل إلى الرقم خمسة ثم تقف عند «قف»، وبكل ثقة تفتح عينيها وتنتظر. اعتادت أن تقف على ناصية الشارع الموازي لمنزلها، ترتكز قدمها اليمنى على شاخصة «قف»، وتتعامد معها اليسرى لتشكلا معاً زاوية قائمة لا تعترضها سوى حقيبة يدها البيضاء المتأرجحة بينهما. تعدِّل نظارتها، وتمسّد حاجبيها، وتعِدُ نفسها بحمّام ساخن فور عودتها من العمل.حال وصوله إلى الركن، الذي غالباً ما يكون له، يفتح عينيه على وسعهما. يدقُّ الإسفلت بحذائه الإيطالي اللامع. ينظر إليه طيلة مسيرته، ولا يضيِّع وقته إلا بإحصاء خطواتها على الجانب الآخر من الطريق. يقف عند شاخصة «ممنوع المرور» الملتوية فـي منتصفها، ربما لتحتضن ظهره المرتخي حين يرتكز عليها. يصنع من بريق عينيه خيطاً دائريّاً مرة، ومستقيماً مرة أخرى. يمدُّه صوب عينيها المختفيتين خلف ضباب عدستين، ثم لا يلبث أن ينقطع الخيط باكتظاظ الشارع بالسيارات القادمة من الجهتين.