سامْبدْرومْ" هذا هو عنوان الرّواية التي بين أيْدينا، وهو عنوانٌ سوفَ يُثيرُ - بالتّأكيد- دَهْشَتَك وفضولَك، لكنْ تَرَيَّثْ قليلاً، فما يَسْتثيرُ الدَّهْشَةَ في هذه الرّواية كثيرٌ، وما يُحَفِّزُك على الانتهاء من قراءتها وفَضّ مَغاليقها أكْثَرْ.سوف يسْتلْفتُ انتباهَكَ منذ البداية ذلك التَّرْقيم لفقراتها الذي يبدأ من حيث يَنبغي أن ...
قراءة الكل
سامْبدْرومْ" هذا هو عنوان الرّواية التي بين أيْدينا، وهو عنوانٌ سوفَ يُثيرُ - بالتّأكيد- دَهْشَتَك وفضولَك، لكنْ تَرَيَّثْ قليلاً، فما يَسْتثيرُ الدَّهْشَةَ في هذه الرّواية كثيرٌ، وما يُحَفِّزُك على الانتهاء من قراءتها وفَضّ مَغاليقها أكْثَرْ.سوف يسْتلْفتُ انتباهَكَ منذ البداية ذلك التَّرْقيم لفقراتها الذي يبدأ من حيث يَنبغي أن تَنْتهي أحداث الرواية، بحيث يَتبادَرُ إلى ذِهْن القارئ الكريم أنه رُبَّما كانَ هُناك خطأ طِباعيٌّ في التَّرْقيمْ. لكنّي أدعوكَ هُنا أيْضاً إلى التَّمَهُّلِ في الحُكْم، فلا خطأ هنا ولا سَهْوَ ولا نِسْيانْ، وإنَّما هي طبيعةُ البناءِ الدِّرامي لهذه الرّواية، التي راقَ لكاتبتها أن تَسْتَهِلَّ الحِكايَةَ فيها من آخرها. ولِمَ لا..؟! لماذا نُبْقي على القوالِبِ الجامدة في الكتابة الأدبيّة بحيثُ نُرَتِّبُ الأحْداثَ وفْقَ تَسَلْسُلِها المَنْطقيّ ما دامت الحياة ذاتها بأحداثها ومُلابساتها تَفْتقرُ أحياناً للمنطق المُتعارَفِ عليْه..؟! ألَيْسَ للنَّصِّ الإبْداعيِّ منطقُه الخاصّ، تَماماً مثلما لِكُلِّ كائنٍ حَيّ هويَّةٌ وتاريخٌ وسماتٌ وعلاماتٌ فارقَة..؟! المُهِمّ أن يَتَّسقَ الشَّكْلُ مع المَضْمون، والبِنْيَةُ مع الدّلالةِ والمَعْنَى، وهما هُنا مُتَّسِقان ومُتناغِمان تَماماً، لكنها ليسَت السِّمةَ الوحيدة التي تُمَيِّزُ هذا العمل الرّوائي، فَثَمَّة الكثير من ملامح التَّميّزِ التي تَسْتوقفُك مُبَكِّراً عند قراءتك للرّواية، لَعَلَّ من بينها عُنْصُر التَّشْويق الذي يَتَّسمُ به أسْلوب السَّرْد، فالأحداثُ تمضي في نَبضاتٍ مُتسارِعةٍ كخفقاتِ القَلْبِ الواجِفْ، وتتلاحقُ كأنفاسٍ مبهورَة تتَعَجَّلُ الوصولَ إلى الذِّرْوَة وبلوغَ آخرِ الشَّوْط، من بين هذه الخصائص أيضاً تلك العناية الفائقة بالتفاصيل الصَّغيرة والدَّقائق المُتناهية الصِّغَرْ والتي تُشَكّلُ - من حيث لا نَشْعر - الجَوَّ العام للرّواية، والحضور المُكثَّف للمَكانِ والزَّمانِ في كُلِّ تفصيلةٍ وواقِعَةٍ ومَشْهَدٍ وحَدثْ.مِنْ فضائلِ هذه الرّواية - أخيراً وليسَ آخراً- تلك المَقْدرة على التَّعاملِ مع مُفردات الحياة اليَوْميّة وإحالتها إلى مادَّةٍ للفَنِّ بالغة الخِصْب والثَّراء، بحيثُ يَتَحَوَّلُ العاديُّ والمألوفُ إلى جوهرٍ لامعٍ ومُتَوَهِّج في سياقِ هذا الإبْداعْ. هُناك الكثيرُ الذي يُمكن أن يُقالَ في تِعْدادِ الملامح المُمَيِّزَة لهذا العمل الرّوائي، لكني أخْشَى الإطالَة، والأهمّ من ذلك أنني لا أريدُ أن أصادرَ على حَدْسِ القارئ وخياله ولَذَّةِ المُغامرة ومُتْعةِ الكشْفِ عن مكنونِ هذا العمل واستجلاء أسْرارِه وتفسير رموزه، فالقارئ ليسَ مُتَلَقِّياً سَلْبِيّاً وإنَّما هو شَريكٌ فاعِلٌ وخَلاَّقْ لأيّ إبْداعٍ أدبيٍّ وفَنِّيّ، وهو طَرَفٌ أصيلٌ في عَمليّة الخَلْق. بذلك يتَحَقَّقُ للعمَلِ الأدبيّ أو الفَنِّيّ وجودٌ جديد وحياةٌ أخرَىَ وبَعْثٌ مُتَجَدّدٌ مع كُلِّ قِراءَةٍ ومع كُلِّ قارئ له.إبراهيم سعد الدين