حينما أخبرني صديقي الأستاذ فوزي عبد الرزاق بعزمه على إعداد فهرس لمطبوعات فاس الحجرية لم أتردد في تشجيعه وتقوية عزمه على المضي قدما في إنجاز هذا العمل الذي لا تخفى أهميته وقيمته، ذلك أن المطبعة الحجرية (الليتوغرافية) التي أسست في فاس في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) لم تكن مجرد مصنع لطبع الكتب وتسفيرها بطريقة عتيق...
قراءة الكل
حينما أخبرني صديقي الأستاذ فوزي عبد الرزاق بعزمه على إعداد فهرس لمطبوعات فاس الحجرية لم أتردد في تشجيعه وتقوية عزمه على المضي قدما في إنجاز هذا العمل الذي لا تخفى أهميته وقيمته، ذلك أن المطبعة الحجرية (الليتوغرافية) التي أسست في فاس في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) لم تكن مجرد مصنع لطبع الكتب وتسفيرها بطريقة عتيقة يغلب عليها المجهود البشري على العمل الآلي، بل إنها، في نظر كثير من مثقفي المغرب العربي، مؤسسة ذات قيمة علمية وتاريخية ومعنوية، ذلك أنها أنشئت في حقبة دقيقة تمتاز بالصراع بين عنف الأطماع الاستعمارية الأجنبية ورغبة النخبة المثقفة المغربية في كسر القيود التقليدية لمواكبة العصر الحديث بجميع فتوحاته العلمية والصناعية.ومن الناحية العلمية تتجلى قيمة مطبعة فاس في الخدمة التي أسدتها للأساتذة وطلاب العلم بما أمدتهم به من مصنفات مطبوعة ومصححة عوض النسخ الخطية التي كان معظمها محشوا بالتصحيف والأخطاء، فضلا عن قلتها ورداءة خط الكثير منها. وقد بقيت مطبوعات فاس الحجرية متداولة بين الأساتذة والطلاب إلى أواخر الثلاثينات، فكانت تصحبهم في حلقات الدرس ويرجعون إليها في خلواتهم وعند الحاجة.وسرعان ما بدأت هذه المطبوعات الحجرية تقل ويعز وجودها في الأسواق ويتبارى في اقتنائها عشاق الكتب القديمة، وبذلك أصبحت من الطرف والنوادر بعد أن توقفت دواليب مطبعة فاس عن العمل، فكان بيده صفحات الكتاب قبل طبعها على الحجر، وشخصية المصحح، (وكان المصححون من العلماء وأهل اللغة والأدب) وهذه ميزة تنفرد بها الطباعة الحجرية على غيرها.وقد اهتم بعض الباحثين المغاربة والأجانب بمطبوعات فاس الحجرية فكتبوا عن المطبعة ذاتها أو عن الكتب التي طبعت فيها، ونذكر من هؤلاء الأستاذ السيد محمد المنوني الذي عني عناية خاصة بإبراز مختلف مظاهر نهضة المغرب الحديث، ومنها حركة التأليف والطباعة والبعوث العلمية وغير ذلك.وها هو الأستاذ فوزي يفي بما ألزم نفسه من إصدار فهرس كامل بمطبوعات فاس الحجرية، وإني أعرف المجهود الكبير الذي بذله لجمع مادة الكتاب وترتيب فصوله وأقسامه وذلك بعد تمحيص المراجع والأصول، ومقارنة المعلومات، وتوثيق المصادر، ولذلك فإنني أقدر ما عاناه الأستاذ فوزي عبد الرزاق في سبيل إتمام هذا العمل الهام وإخراجه إلى الوجود ليستفيد منه المتخصصون وعامة ذوي الولع بالكتب والفهارس وأهني المؤلف على ما حالفه من توفيق.