تبدأ الفلسفة مع الاقتناع بأن ما يتجاوز الجسماني وما دون الجسماني هما بديلان تقريبيان بشكل فظ لللاحق الميتافيزيقي، مع أن ما يتجاوز (Ultra) الحسي وما دون (Infra) الحسي هما تزييف للأصالة ما فوق الحسية. لا يبدأ ما وراء التجريب عند نهاية تسامٍ أو نهاية ضعف تدريجي للواقع الملموس والمحسوس والقابل للوزن. وعلى سبيل المثال، أن من ينتقل من...
قراءة الكل
تبدأ الفلسفة مع الاقتناع بأن ما يتجاوز الجسماني وما دون الجسماني هما بديلان تقريبيان بشكل فظ لللاحق الميتافيزيقي، مع أن ما يتجاوز (Ultra) الحسي وما دون (Infra) الحسي هما تزييف للأصالة ما فوق الحسية. لا يبدأ ما وراء التجريب عند نهاية تسامٍ أو نهاية ضعف تدريجي للواقع الملموس والمحسوس والقابل للوزن. وعلى سبيل المثال، أن من ينتقل من مقياس الفيزياء الكلاسيكية العيانية إلى عالم الفيزياء المجهرية، أو بالعكس، إلى مقياس الفلك الضخم، لا يتخلى عن التجريب إلى ما وراء التجريب: ما يوازي القول بأن ما بعد التجريب يبدأ انطلاقاً من بعض المقادير التي يمكن تعيينها والتي تشكل عتبته،... وعلى امتداد أي موجة، يتحول المثير الفيزيائي، لون أو صوت، إلى الميتافيزيقا في الواقع، أن أدواتنا وآلاتنا ترد إلى دائرة المحسوس المباشر وبشكل لا متناه هذين المتردين النهائيين للامحسوس؛ حيث لم نكن نريد أن نرى سوى الـ ما دون وما يتجاوز.ليس التجريب إذن وحدات وسيطة يلازمها لغزان: لغز متناهي الكبر ولغز متناهي الصغر: بل إنه لا يوجد إلا تجريب واحد فظ في وسطه، دقيق عند الأطراف إن مئة ألف سنة ضوئية هي تجريبية بمقدار الدقائق الخمس حسب ساعتنا؛ إلا أن الـ-ما وراء الذي يجذب الذهن ما وراء كل مقياس تجريبي، هذا الــ-ما وراء الدينامي هو لغز. ليس هناك حتى مع اكتشاف دائرية الأرض ما ينزع عن الخليقة الأمل عند "طرف العالم" في لمس، عتبة ما وراء الخيالي… إنه لمن الوهم الاعتقاد بأننا نقترب من اللغز، عندما نميل نحو القطبين؛ إن من يزرع علمه عند أطراف الكرة الأرضية لا يلامس اللغز بأكثر من ساكن الدوائر المتوسطة. كلا ليس هناك على ارتفاع عشرة آلاف متر، من لغز أكثر مما في الأرض المنبسطة، كما ليس في عمق البحار بأكثر مما على وجه الأرض حيث مصيرنا أن نعيش بشكل وسط وسطحي متفرغين لأشغالنا.بالطبع هناك الموت، الذي يبدو أنه يطرح علينا يومياً في ملء عالم التجربة، تجربة لغز ما وراء التجريب: لكن لننظر ومن دون استعارات في موت الآخر، فإنه سيتوجب علينا أن نقبل كون هذه التجربة لـ-ما وراء التجريب؛ هي في كل آن تجربة تجريبية، بمعنى أنها تجربة استمرار طبيعية وبيولوجي يمكن تأويلها؛ أما موتنا-الخلص (La mort-propre)، الذي يشكل، بالنسبة للميت، اللغز نفسه وعبارته في آن معاً، فإن الأشياء مركبة بحيث أن من يمكنه أن يُبلِّغ لا يعرف شيئاً، ومن يعرف لا يمكنه في الوقت نفسه أن يبلغ.ضمن هذا الإطار يأتي كتاب "فلسفة أولى" الذي يمثل في مضمونه واستدعاءاته الفلسفية مدخلاً إلى فلسفة الـ"يكاد". وقد تم توزيع البحث فيه على فصول عشرة دارت في مجملها على المحاور التالية: 1-من التجريب إلى ما وراء التجريب، 2-أشكال الأصل الجزري، 3-فيالموت، 4-إعدام الماهيات، 5-من مقام مغاير كلياً، 6-الطريق السلبي، 7-ما هو عينه، 8-الـ"ما-لا-أعرف"، 9-الخلق، 10-الإنسان. وقد تمّ تزويد الكتاب بمسردين أحدهما للمصطلحات الأجنبي-العربي والمسرد الثاني هو مسرد المصطلحات العربي-الأجنبي.