الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءَه العادّون ، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون ، وصلوات الله على الرسول الأمين وخاتم النبيّين الذي بعثه لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته وتبليغ رسالته.وسلام الله على أهل بيته المعصومين الذين هم أساس الدين ومنار اليقين ، والذين لهم حقّ الولاية وفيهم الوراثة والوصاية ..ولعنة الله على أعدائهم...
قراءة الكل
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءَه العادّون ، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون ، وصلوات الله على الرسول الأمين وخاتم النبيّين الذي بعثه لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته وتبليغ رسالته.وسلام الله على أهل بيته المعصومين الذين هم أساس الدين ومنار اليقين ، والذين لهم حقّ الولاية وفيهم الوراثة والوصاية ..ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدين.وبعد .. فقد إمتاز الدين الإسلامي الحنيف في خطاب الكتاب وبيان الرسول وهدى أهل البيت بخصوصية جامعيّته لجميع شؤون الإنسان في جميع العصور والأزمان ، بحيث رَسَمَ له المنهج الكامل والنهج المتكامل في عامّة المجالات وكافّة المناسبات الإعتقادية والعمليّة ، والإجتماعيّة والشخصيّة ، والأخلاقيّة والسلوكية بعباداته ومعاملاته ، وعقوده وإيقاعاته ، ومواعظه وإرشاداته .. في جميع ما يحتاج إليه الفرد والاُسرة ، للدنيا والآخرة.وذلك ببركة كتاب الله الكريم الذي هو مصباح الهدى ومنار الحكمة ودليل المعرفة الذي من جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار.ثمّ بفضل رسوله العظيم الذي أرسله الله تعالى شاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، مع أهل بيته الأكرمين الذين أنزل فيهم آية التطهير ، ثمّ٧جعلهم الحفظة لهذا الدين والأوصياء الخلفاء لسيّد المرسلين ، والمظهرين لأحكام الشرع المبين فكانوا نجوم الهداية وسفن النجاة التي من تمسّك بها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى.وجعل سيّدهم وسندهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين باباً لمدينة علم نبيّه وهادياً لاُمّته ، محوراً للحقّ وكشّافاً للحقيقة ، وعلّمه النبي ألف باب من العلم ينفتح من كلّ باب منها ألف باب .. كما ثبت بالطرق المتواترة من الخاصّة والعامّة .. (١).وكان ممّا أفاض عليه من العلم والحكمة وصاياه الجامعة ، ومواعظه النافعة ، ومعالمه البارعة التي جمعت الخير الكامل وحثّت على أسنى الفضائل.وقد كانت وصاياه له عليهالسلام بالمقدار الكثير الكثير الذي لم يتحقّق وِزانُه لأيّ واحد من الأصحاب ولا لفرد آخر من الأطياب .. بل خصّه النبي بها وجعله الباب إليها ، ليرتوي منه المؤمنون ، وينتهل من نميره المسلمون ، بل يهتدي به الخَلَف أجمعون ، فتكون خير دليل لخير سبيل ، وكفاها سموّاً أنّها صدرت من أفصح من نطق بالضّاد لأفصح الناس بعده من العباد.وحسبها علوّاً أنّها وصايا أرشد إليها عقل الكلّ لكلّ العقل.ويكفيها رفعةً أنّها أوصى بها سيّد الأنبياء الذي عصمه الله تعالى بقوله : ( وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٢) لسيّد العترة الذي طهّره الله عزّوجلّ__________________١ ـ لمزيد المعرفة لاحظ أحاديث الفريقين في أنّ علياً عليهالسلام وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من طرق الخاصّة مائة حديث ومن طرق العامّة سبعون حديثاً ، في غاية المرام ، ص ١٥٠ ـ ١٩٠ ، وفي انّ علياً عليهالسلام باب علم الرسول صلوات الله عليه وآله ومدينة علمه وحكمته من طرق الخاصّة أربعون حديثاً ، ومن طرق العامّة ثلاثة وعشرون حديثاً ، في غاية المرام ، ص ٥١٧ ـ ٥٢٤ ، ويمكنك ملاحظة الأدلّة الوافية على وصاية الأئمّة عليهمالسلام في كتابنا العقائد الحقّة ، ص ٢٩٠.٢ ـ سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.٨بقوله : ( ... إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).هذا هو موضوع الكتاب الذي بين يديك ، وكان المرجوّ فيه أن يجمع وصايا الرسول لزوج البتول.واعلم أنّ الوصيّة لغةً هو التقدّم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ .. مأخوذة من قولهم ، أرض واصية أي متّصلة النبات (٢).إذ الوصيّة في الأصل فعيلة بمعنى الإتّصال من وصى يصي إذا وصل الشيء بغيره (٣).وقد قالوا وصي البيت إذا اتّصل بعضه ببعض .. فكأنّ الموصي بالوصيّة وصل جلّ اُموره بالموصى إليه ، والوصية والأمر والعهد بمعنى واحد ، كما في مجمع البيان (٤) عند قوله تعالى : ( وَوَصّى بِها إبراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ) (٥).وعليه فالوصية في مؤدّاها هي : ( العهد الذي يؤخذ على الإنسان في مجال النصح ، والحثّ على الفضائل والأخلاق الحسنة ، وفعل الخيرات وإجتناب المنكرات ) (٦).ولذا قال في اللسان ، « أوصى الرجل ووصّاه ، عهد إليه » (٧).__________________١ ـ سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.٢ ـ مفردات الراغب ، ص ٥٢٥.٣ ـ مجمع البحرين ، ص ٩٣.٤ ـ مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢١٣.٥ ـ سورة البقرة ، الآية ١٣٢.٦ ـ وصايا الرسول ، ص ٩.٧ ـ لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٩٤.٩وقال في القاموس ، « أوصاه ووصّاه توصية ، عهد إليه ، والإسم الوَصاة ، والوصاية ، والوصيّة » (١).وفي التاج ، « أوصاه إيصاءً ، ووصّاه توصيةً ، إذا عهد إليه » (٢).وجاء في المصباح ، « أوصيته بولده ، إستعطفته عليه ، وأوصيته بالصلاة ، أمرته بها ، ولفظ الوصيّة مشترك بين التذكير والإستعطاف وبين الأمر ، ويتعيّن حمله على الأمر » (٣).وقال في المجمع ، « العهد ، الوصيّة والأمر ، يقال : عهد إليه بعهد من باب تعب إذا أوصاه ، ومنه قوله تعالى : ( وعَهِدنا إلى إبراهيم ) أي وصّيناه وأمرناه » (٤) فالمستفاد عرفاً ولغةً أنّ الوصايا هي العهود المأخوذة ، والأوامر الواردة والنواهي الواصلة ، والمواعظ الصادرة من الموصي للوصي.والوصايا النبوية المقصودة هنا هي العهود والأوامر والنواهي والمواعظ والآداب الموجّهة من سيّدنا النبي لوصيّه الإمام أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السلام الذي هو المشكاة النبراس لهداية الناس ( ... مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ فِي زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأنّها كَوكَبٌ دُرّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَة زَيْتُونَة لاَّ شَرْقيَّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكادُ زَيّتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ ) (٥).هذا .. والذي نأمله في هذا الكتاب الجامعية في وصايا الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم__________________١ ـ القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.٢ ـ تاج العروس ، ج ١٠ ، ص ٣٩٢.٣ ـ المصباح المنير ، مادّة وَصَى.٤ ـ مجمع البحرين / ص ٢٢٠.٥ ـ سورة النور ، الآية ٣٥.١٠للإمام أمير المؤمنين عليه صلوات المصلّين ..وقد كانت متفرّقة في مختلف الكتب على إختلاف الأبواب مطبوعها ومخطوطها فأحببت جمعها وتوضيح ما لزم بيانه وتبيانه من كلماتها ومضامينها وشرح غريبها لتكون هدىً لنفسي وهديّةً لأحبّتي.وأسأل الله تعالى التوفيق المأمول والتفضّل بالقبول.قم المشرّفة ـ عيد الفطر المبارك ـ سنة ١٤١٧ هجريةعلي بن السيّد محمّد الحسيني الصدر