الكتاب من تقديم محمد رشيد رضا، الكتاب طبعة ثانية.من الكتاب (من فصل 23):(إعلان الدعوة، واحتمال الأذى، والثبات)لم تقف فضائل السيدة خديجة، عندما ذكرناه إلى الآن من سيرتها بل هيكالينابيع الثرورلا تغيض. والآن يشرف القارئ معنا على مجلى من أعظم المجاليلفضائل هذه السيدة الجليلة.جاء الآن دور الثبات في سبيل الحق، وهذا الثبات لا نجده في كل...
قراءة الكل
الكتاب من تقديم محمد رشيد رضا، الكتاب طبعة ثانية.من الكتاب (من فصل 23):(إعلان الدعوة، واحتمال الأذى، والثبات)لم تقف فضائل السيدة خديجة، عندما ذكرناه إلى الآن من سيرتها بل هيكالينابيع الثرورلا تغيض. والآن يشرف القارئ معنا على مجلى من أعظم المجاليلفضائل هذه السيدة الجليلة.جاء الآن دور الثبات في سبيل الحق، وهذا الثبات لا نجده في كل عصر إلافي صحائف أفراد ندرتهم بين بني آدم أعظم من ندرة الياقوت بين الحجارة، وكثرةفوائدهم أعظم من قطرات الغيث.لقد مر على بني آدم ألوف من الأعوام، وفي كل عصر وجد منهم ألوف الألوفومن كل هذا العدد العظيم لا نعرف مائة ثبتن في سبيل الحق مع شدة المعارضة ثبات(خديجة) أما ثبات بعلها الكريم فلا ينبغي أن نقيس به بعدما قدمناه ثبات أحد، فإناقد وصلنا في الفصول السابقة إلى بيان أنه مؤيد أعظم تأييد، وأنه سمع الوحيالإلهي آمرًا إياه أن يقوم بأعباء الرسالة والتبليغ، فأصبح الفرق بينه وبين غيرهعظيمًا جدًّا منذ أتاه هذا الوحي، وعندنا معشر المؤمنين به أنه هو المختار الأعظموالمصطفى الأكبر، فلذلك لا نرى ثباته في سبيل الحق يعادله أو يقاس به ثبات.ظل هذا المختار ثلاث سنين يدعوا سرًّا ثم أمر أن يجهر بالأمر فلم يجد إلىجانبه زوجة تثبط وتخوف أو يضعف قلبها فتؤثر الراحة وطمأنينة البيت علىالنصب واحتمال الأذى، بل وجد قرينة صالحة القلب للوقوف معه بالصبر والسكينةأمام المعارضين والمعارضات وما أشد ما كان أمام هذا الداعي إلى غير ما عرفالقوم! وما أحوج هذه الحالة إلى قلوب كلما كبر المعاندون كيدًا تقول: الله أكبر!الله أكبر، كنا المعاندون أفرادًا وجماعات قد امتلكت الأنفة والعزة نفوسهم،واجتذبت قلوبهم، وامتصت من أفئدتهم النداوة فأصبحت نسمات الهدى تزعجها،وحرارة الإنذار تكاد تحرقها.قريش وما قريش؟! قبيلة ترى لنفسها السبق بكل فضيلة والشرف على كلفصيلة، ولها أنوف شامخة كأنها تطاول السماء، وأعناق متلعة كأنها تتصيد كل علياءتعاد كل قوم بالنجباء فتكْثُرُهم، وتفاخر من تشاء بالعظماء فتفخرهم، مثلها بين القبائلكالشمس مكانة، وكالروضة نضرةً وعبيرًا، هذه القبيلة التي حالها ما وصفنا من قوىالشكيمة وشدة الإباء ومزيدا التعالي كانت قد أصيبت من الاقتداء بمضرته إذاكانت بعض العقائد التي صادفتها في موردها ومصدرها في البلاد المجاورة قدالتصقت بعقولها حتى أصبحت ترى التصدي لاقتلاعها منها اعتداء على حقوقها،وانتهاكا لحرماتها.هذه القبيلة كان لها من نور الذكاء ما يبهر الناظرين ولكن قد تراكمت علىأفكارها سحائب من آثار التقليد حالت بين ذكائها وبين الحقائق العالية حتى رأيناهاتدرج مع البلداء في مدرج واحد من تأليه صور صماء عمياء بكماء جامدة قد صنعتهاالأيدي فقامت تحسب أن هذه الصور تضر وتنفع وتجلب وتدفع وتقرب إلى الخالقالأعظم وتشفع، وراحت تعلن أن لهذه الصور مجدًا، وتستحق شكرًا وحمدًا، وظلتتصنع لها ما تصنع الأمم لآلهتها من ذبح القرابين، ونذر النذور، وتوجه القلوب،وإخبات الصدور، وتعلق القلوب.نعم ساورت تلك العقائد قلوبها حتى صارت الأنفس فيها لا تنبسط لشيءانبساطها لتمجيد تلك الآلهة ولا تقبض لشيء انقباضها للطعن فيها أو النقص منتكريمها.