لم يأت اعتقاد الشيعية الإمامية بأئمتهم الإثني عشر كنتيجة موروثة من السلف، ولا تعاطفاً وجدانياً مع معاناتهم الطويلة، وإنما جاء الاعتقاد كنتيجة منطقية لعبقريتهم بكل ما ينطوى عليه العبقرية من قداسة وتخطيط وتقديم وإصلاح وعمق ووضوح، كمعادلة موضوعي فريد لحملات التشويه والتحريف التي تعرض لها الفكر الإسلامي ومارستها القوى المتعددة في مك...
قراءة الكل
لم يأت اعتقاد الشيعية الإمامية بأئمتهم الإثني عشر كنتيجة موروثة من السلف، ولا تعاطفاً وجدانياً مع معاناتهم الطويلة، وإنما جاء الاعتقاد كنتيجة منطقية لعبقريتهم بكل ما ينطوى عليه العبقرية من قداسة وتخطيط وتقديم وإصلاح وعمق ووضوح، كمعادلة موضوعي فريد لحملات التشويه والتحريف التي تعرض لها الفكر الإسلامي ومارستها القوى المتعددة في مكونات ووعاظ سلاطين ومتعصبين وخاطئين في المنهج الاستنباطي وملحدين وفلاسفة وضعيين ومتأثرين بالمناهج الأخرى. إن تركيز هذا الجانب الكشفي والتحليل لحركة الأئمة الاثني عشرة في الحياة الإسلامية العامة، كما هو بحاجة إلى خطة واستراتيجية للأداء، وهو ذو ثمرات عملية وأبعاد حضارية تؤتي معطياتها وثمارها من خلال حركة الزمن والتاريخ والعصر بكل ما يحمل من تعليقات ومستجدات ومتطلبات.وحول الخطة فالمعرفة المتوفرة في أيدينا هي تواريخ ونصوص وتراث حاوٍ على كنوز ومواد ثمينة بحاجة إلى كشف واستنطاق وتحليل وإشارة...أما الكتابات المتوفرة عندنا ففي أحسن الأحوال هي إعادة صياغة لتواريخ الأئمة وعرض كيانهم وفكرهم بطريقة حديثة، فيما تمس الحاجة اليوم إلى كتابات أكثر عمقاً وإثارة وتحليلاً في ضوء أطروحة التفسير الموضوعي لحياة الأئمة، وبطريقة حديثة تربط الحركة والسلوك والفكر بحركة الواقع المعاصر والعالم الثقافي الجديد.وهذا ما يوجد له متسع في حياة الأئمة الإثني عشر حيث شكلت أدوارهم المتعددة طيفاً إصلاحياً متميزاً ذا هدف واحد يتمثل في الارتقاء بوعي الفرد والمجامع ليكونا أشد تماسكاً. وبالنسبة لحياة الإمام الكاظم فقد خفيت على الكثير من الناس ملامح فلسفته الإصلاحية ودوره القيادي في الفكر والمجتمع. وهذا ما دعا "محمد سعيد الأمجد" التأليف هذه الدراسة الموجزة عن الجانب الآخر بغية إضاءته وتحويله إلى منهاج عمل يعكس للإصلاحيين المعاصرين نموذجاً إصلاحياً راقياً كما يعكس للمتدنيين النموذج السلوكي الأمثل...أما حول فائدة وثمرة كتابات من هذه النوع، فهي تعمل-أولاً-على كشف ملامح العبقرية عند الإمام من أئمتنا المعصومين وإبراز جوانب الإبداع والعظمة التي تجعل الاعتقاد بهم اعتقاداً مبنياً على أساس الوعي والمعرفة والاقتناع الراسخ بعيداً عن العاطفة. وتعمل ثانياً: على إبراز مصدر للشريعة الثقافية في خضم الضياع والصراع وضجيج الأفكار المعاصرة..لقد تحدثت المصادر التاريخية عن اشتمال حياة الإمام موسى بن جعفر (ع) وحركته على رؤية شاملة للفرد والمجتمع، وصلت إلى حدّ التخطيط للإطاحة بنظام الحكم العباسي، مما يلقي الضوء على حديث "أبعنا قائمنا إن شاء الله"، كما اشتملت على رؤية تشريعية دقيقة للمجتمع والوسط العلمي، سعت إلى بناء الفرد بناءً محكماً رضياً وأسست خطاباً إصلاحياً مطلقا عن خصوصياته، صالحاً للانطباق على كل أشكال الحياة وبناها الثقافية، مما هيأ مساحة لاكتشاف ذلك الفكر الإصلاحي وتقديمه كمادة تستلهما البحوث المختلفة بشكل بنائي منتج.وهكذا قسم المؤلف هذه الدراسة في مشاريع الإمام (ع) إلى قسمين رئيسيين: الحياة الإسلامية والحياة العلمية" بحث في القسم الأول في موضوعات أربعة (الموقف من الحكم، ومواقف ودلالات، ومشاريع اجتماعية). وأما القسم الثاني فأفرده للتحدث عن ملامح مدرسة الإمام الارتقاء بالمستوى الفكري وتأصيل الوعي العقائدي عنده.