قرئ الشعر القديم قراءات كثيرة وتناوله الدارسون من زوايا عديدة وظل موضوعاً مثيراً للنظر والبحث لا سيما بما وفرته لنا المعارف الحديثة من مناهج وآليات. وهي مناهج تختلف حيناً وتتعارض بحدة أحياناً ولكنها تلتقي جميعاً في رغبة ملحة تحدوها: رغبة في كشف أغوار هذا الشعر وتجاوز ظاهرة نحو عمق يحوي خصائصه المميزة ويقوّم تجربة شعرية مثلث لفتر...
قراءة الكل
قرئ الشعر القديم قراءات كثيرة وتناوله الدارسون من زوايا عديدة وظل موضوعاً مثيراً للنظر والبحث لا سيما بما وفرته لنا المعارف الحديثة من مناهج وآليات. وهي مناهج تختلف حيناً وتتعارض بحدة أحياناً ولكنها تلتقي جميعاً في رغبة ملحة تحدوها: رغبة في كشف أغوار هذا الشعر وتجاوز ظاهرة نحو عمق يحوي خصائصه المميزة ويقوّم تجربة شعرية مثلث لفترة طويلة نموذجاً يجتذى به ومنوالاً يسير الشعراء على هديه. وقد اخترنا في هذا البحث أن ننظر في الشعر العربي القديم من زاوية جديدة تعنى "بالحجاج" أو "المحاجة" وإن كنا لا نعدم في المصادر اشارات عامة بل خطيرة الى حضور الحجاج في الشعر حضوره في النثر، فقد لاحظ القدامى أن الشاعر قد ينظم القصيدة أو القطيعة أو البيت المفرد احتجاجاً لرأي أو دحضاً لفكرة بل يحدث أن يقف أحدهم عند صورة حجاجية يحللها ويبين طاقة الإقناع فيها () والأهم من ذلك كله أن قادهم الى الخوض في قضية دقيقة سنعود اليها في الإبان هي صلة "الشعر" بـ "الخطابة" وبرز ذلك أساساً في حديثهم عن الكميت شاعر الشيعة () حين احتج للمذهب ودافع عن العقيدة، غير أن تلك الإشارات والملاحظات () على أهميتها وعظيم شأنها تظل قاصرة عن الايفاء بالغرض فهي غامضة تحتاج الى توضيح وهي متضاربة أحياناً كثيرة تستوجب منا البحث والتمحيص وهو ما أخذناه على عاتقنا في هذا البحث لأننا لا نسعى بأي حال الى اجتثاث الشعر القديم قسراً من تربة أنبتته وبيئة غذّته وحفظته رغم أننا سندرس الحجاج فيه استناداً بالأساس الى نظرية حديثة غريبة المنشأ والمقام.