تقوم الدراسات المقارنة - بشكل عام - بدور كبير فى تفهم نظم المجتمعات على اختلاف ثقافتها ومنطلقها الدينى والحضارى. وفى هذا البحث دراسة فقهية وقانونية مقارنة بين الفقه الإسلامى وبين القوانين الوضعية الغربية فى فقه الأحوال الشخصية، حاولت الكاتبة من خلاله أن تذكّر برقىّ الفقه الإسلامى وثرائه وعظمته. 2- لقد برز فى ساحتنا الفكرية والثق...
قراءة الكل
تقوم الدراسات المقارنة - بشكل عام - بدور كبير فى تفهم نظم المجتمعات على اختلاف ثقافتها ومنطلقها الدينى والحضارى. وفى هذا البحث دراسة فقهية وقانونية مقارنة بين الفقه الإسلامى وبين القوانين الوضعية الغربية فى فقه الأحوال الشخصية، حاولت الكاتبة من خلاله أن تذكّر برقىّ الفقه الإسلامى وثرائه وعظمته. 2- لقد برز فى ساحتنا الفكرية والثقافية منذ عقود من يرى الاحتفاظ بالهوية مرض، والاعتزاز بالذات داء يحتاج إلى علاج، والعلاج - عندهم - أن ننضم إلى الغرب قلباً وقالباً، نعتاد عادات الأوربيين ونلبس لباسهم ونأكل طعامهم، ونصطنع أساليبهم في أحكام العائلة والاجتماع تماماً كما نتبع طرقهم فى الصناعة والعلوم. 3- وليست الكاتبة ممن يتصور أن كل ما فى كتب الفقه الإسلامى هو من وحى السماء، ولا تعتقد أن ما وصل إليه الغرب فى تقنيناتهم هو شرّ كله، فقد أخذنا عنهم وأخذوا عنا فى وقفات كثيرة عند محطات الالتقاء الحضارى على مدار تاريخنا وتاريخهم، تارة بالفتوح أو الحروب، وتارة بالترجمة، وتارة بالتجارة والرحلات والوفود. فعندهم من بضاعتنا....، وقد يعجب القارئ لهذا البحث حين يجد تشابهاً فى بعض المسائل بين أحكام القوانين الوضعية الغربية وأحكام الفقه الإسلامى. غير أن التمايز يبقى، وهو يبقى فى مجال أحكام الأسرة على وجه الخصوص، مع سبق وتفوق الفقه الإسلامى على القوانين الغربية. 4- ولهذا يقف المسلم مذهولاً أمام الدعوات التى بدأت فى القرن الفائت، وما زالت تردد بين الحين والحين، فى مؤتمر من مؤتمرات السكان، أو على صفحات جريدة أو رأياً فى كتاب، بأن نسلك طريق الغرب في التشريع... إذا كنا حراصاً على التقـدم والـرقي، والحضـارة الحديثة....فيجب أن نُشعر الأوربي بأننا نرى الأشياء كما يراها، ونُقوِّم الأشياء كما يُقومها ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها". وكان هناك من يقول أنه "يحمد الأقدار لأن الشعب المصري لا يزال في سحنته ونزعته أوربياً، فهو أقرب في هيئة الوجه ونزعة الفكر إلى الإنجليزي والإيطالي، وكذلك الحال في سوريا وشمال إفريقيا فإن سكان هذه الأقطار أوربيون سحنة ونزعة، فلماذا لا نصطنع جميعاً الثقافة والحضارة الأوربيتين، ونخلع عنا ما تقمصناه من ثياب آسيا... هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سراً وجهراً فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب، وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق ". نذهل من هذا الكلام لأن الشرع الإسلامى ليس قميصاً نخلعه ونستبدله بآخر وإنما هو دين، وبعد ذلك فإنه رقىّ وحضارة. 5- وإن كان من يردد تلك الدعوات لا يعلم حقيقة الفقه الإسلامى وثرائه وعظمته، فإننا نعلم ذلك ويتعين علينا بيانه. وإن المنهج الصحيح هو عرض حقائق الإسلام ابتداء لتوضيحها للناس، لا رداً على شبهة، ولا إجابة على تساؤل في نفوسهم نحو صلاحيته أو إمكانية تطبيقه في العصر الحاضر، وإنما من أجل "البيان" الواجب على كل جيل من أجيال المسلمين، ثم لا بأس - في أثناء عرض هذه الحقائق - من الوقوف عند بعض النقاط التي يساء فهمها أو يساء تأويلها من قبل الأعداء أو الأصدقاء على سواء، وفي مثل هذا الجو كانت ترد ردود القرآن على شبهات المشركين وأهل الكتاب. والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم، ولو أفحمهم الرد في لحظتهم، إنما الرد الحقيقي على خصوم الإسلام هو إخراج نماذج من المسلمين تربت على حقيقة الإسلام، فأصبحت نموذجاً تطبيقياً واقعياً لهذه الحقيقة، يراه الناس فيحبونه، ويسعون إلى الإكثار منه، وتوسيع رقعته في واقع الحياة. 6- وما هذا البحث إلا محاولة للبيان فى هذا الجانب من جوانب التشريع، وقد يلاحظ القارئ شيئاً من التفصيل فى بعض أحكام الفقه الإسلامى ثم إجمالاً لأحكام القوانين الوضعية، فقد يرجع هذا لثراء الفقه الإسلامى وتنوع الآراء فيه، وقد يرجع إلى وفرة مراجع الفقه الإسلامى - فى يد الباحث - بالنسبة إلى القوانين الوضعية الغربية، وقد يرجع إلى نزعة الباحث ورغبته فى "البيان" لأحكام الفقه الإسلامى، غير أنه حاول تحرى الإنصاف عند تناول أحكام القوانين الغربية.