تعتبر قضية الموازنة بين الطائيين "أبي تمام "و"البحتري" من أهم القضايا النقدية التي شغلت النقد العربي على مدى تاريخه، ذاك لأنهما قطبان بارزان في تاريخ الشعر العربي لما حوت أشعارهما من غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء، ولجمعهما بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء فضلاً عن غزارة شعرهما.وخلف هذا الإنقسام ثروة أدبية نقدية رائعة وبرز "أ...
قراءة الكل
تعتبر قضية الموازنة بين الطائيين "أبي تمام "و"البحتري" من أهم القضايا النقدية التي شغلت النقد العربي على مدى تاريخه، ذاك لأنهما قطبان بارزان في تاريخ الشعر العربي لما حوت أشعارهما من غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء، ولجمعهما بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء فضلاً عن غزارة شعرهما.وخلف هذا الإنقسام ثروة أدبية نقدية رائعة وبرز "أبي تمام" و"البحتري" قطبي خصومة وبدا شعرهما مظهراً للصراع بين القديم والجديد، بل قد تعدى الأمر إلى مناقشة كل قضايا النقد من خلال تلك الخصومة النقدية كعمود الشعر، والبديع، وقيمة اللفظ والمعنى، والسرقات، وصلة الشعر بالمنطق وغيرهما.ودعم كل فريق رأيه في تلك القضايا بما يعبر عنه من شعر صاحبه وكان من ثمرة ذلك الصراع ظهور كثير من المؤلفات النقدية التي تعنى بأمر الموازنات بين الطائيين، وهي كتب تتباين فيما بينها في قيمتها الأدبية والنقدية، وفي درجة الموضوعية والمنهجية؛ ومن الكتب التي اشتهرت في هذا المضمار كتابا (عبد القاهر الجرجاني) "دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة"، اللذان يعدان ركيزة للدراسات البلاغية والنقدية، وقد أصدر فيهما كثير من الأحكام النقدية من خلال شواهده ووضع كل شاعر حيث وضعه شعره.وهذه الدراسة تحاول أن تبرز تلك الرؤية النقدية لشيخ البلاغة العربية "عبد القاهر الجرجاني" ورأيه في الطائيين؛ وقد اقتضى ذلك التعرض لشواهد كل من الشاعرين والموازنة بينهما من خلال كتابي "عبد القاهر" ومدى توافقه أو مخالفته لعمالقة النقد العربي الذين سبقوه كالآمدي والجرجاني؛ وسوف يكون للبحث وقفات لمناقشة هؤلاء النقاد المحدثين الذين اتهموا "عبد القاهر" في ذوقه، وحكموا على نقده وفن البحتري من خلال إعجابهم البالغ بفن "أبي تمام"، إستناداً إلى مقاييس نقدية منبتة الصلة بشعرنا العربي ومقاييسه الجمالية التي أقرها "عبد القاهر" وأعلام النقد العربي وتوافقت مع كثير من توجهات ومقاييس النقد الحديث.