"الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت" ليس اختراعاً يجيز لأصحابه تسويق براءته، وكأنه من صنع جبابرة لم يعرف لبنان مثيلاً لهم، في تاريخه القديم أو الحديث، بل هو أقرب إلى البدعة منه إلى الإبداع، لأنه رمى بكل الخطط الإعمارية-الإنمائية السابقة عليه في سلة المهلات، وفتح أبواباً لا يعرف اللبنانيون أي رياح مستقبلية شهب عليهم م...
قراءة الكل
"الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت" ليس اختراعاً يجيز لأصحابه تسويق براءته، وكأنه من صنع جبابرة لم يعرف لبنان مثيلاً لهم، في تاريخه القديم أو الحديث، بل هو أقرب إلى البدعة منه إلى الإبداع، لأنه رمى بكل الخطط الإعمارية-الإنمائية السابقة عليه في سلة المهلات، وفتح أبواباً لا يعرف اللبنانيون أي رياح مستقبلية شهب عليهم منها، رغم الوعود التي تفرق عليهم بالنعم التي ستهبط في الأسواق الجديدة. والتي ستعم فوائدها كل لبنان. لم يقيم المشروع الودّ بينه وبين اللبنانيين، بل داهمهم من دون علاقة تمهيدية بينه وبينهم، وهم في عز الأزمة، وتحت وطأتها يرزحون. كانوا ينتظرون دولتهم القادرة والعادلة، تنهض بهم من بين الأنقاض وتعيد إليهم رمق الوطن، بعد أن بشرتهم هي الأخرى بدستور جديد، ولا كل الدساتير، لجمهورية جديدة، ولا كل الجمهوريات، لا يضيع فيها حتى ولو لم يكن وراءه مطالب، أو كل حتى ولو جعلت الدولة الجديدة همها كله، في منع المطالبة به، لا فرق كان اللبنانيون ينتظرون دولتهم تأتيهم من الشرق، فإذا بالشركة العقارية تغزوهم من الغرب، فظنوا أن الدولة ستقاوم، عنها وعنهم ستعترض، وتضرب رجليها بالأرض، وتقول لا، لا بد من الدرس والتمحيض والتروي، فهذه مسألة وطنية من الدرجة الأولى، تتعلق بماضي البلد وحاضره ومستقبله، وهي تقتضي وضع خطة شاملة لسلام اجتماعي، أمني، إعماري، اقتصادي، ثقافي، وبعدها لكل حادث حديث حتى ولو كان هذا الحادث تكليف الشركة العقارية نفسها بإعمار جزء من البلد، أو جزء من عاصمة البلد، أو كل بإعمار الأسواق في البلد، طالما أن الدولة موجودة، مسيطرة عالمة بكل شاردة وواردة، وطالما أنها تملك تصورها الوطني الشامل مع حيثياته وخرائطه، ودراساته، وطرق تمويله وآثاره على الحاضر والمستقبل.