كتب الكثير وعلم العديدين، فما اكترث الرقباء اكتراثهم لما كتب في المبادئ، ولم ينقّبوا في سواه قدر ما نقبوا فيه. فقد جاء كتابه من المبادئ أبحاثاً جريئة، وجرأة ندر مثيلها، ولم يرم من خلاله سوى إلى الفصل في المسائل الشائكة التي كثر اللفظ فيها، في أيامه. وكم يوارب! فقد أبى إلاّ عن النظر في لبّ المعضلات، وأنف إلا عن القول الجهور، ومقص...
قراءة الكل
كتب الكثير وعلم العديدين، فما اكترث الرقباء اكتراثهم لما كتب في المبادئ، ولم ينقّبوا في سواه قدر ما نقبوا فيه. فقد جاء كتابه من المبادئ أبحاثاً جريئة، وجرأة ندر مثيلها، ولم يرم من خلاله سوى إلى الفصل في المسائل الشائكة التي كثر اللفظ فيها، في أيامه. وكم يوارب! فقد أبى إلاّ عن النظر في لبّ المعضلات، وأنف إلا عن القول الجهور، ومقصده التبسيط الواضح في مسائل الشؤون العليا. تحالف على عمله الإمام، وكم يعاد العقل، ولم ينكر التقليد. فعرض البشارة كما جاءت في النصوص وأجهد المتقولين أقوالاً على فحواها فأجهز على مزاعمهم. وتسلّح بما تنامى إليه من إرث السابقين، فأسعفه بجداله.ولا غروّ فقد وهبه الله من نعمه طاقاتٍ وزوده بحدة منطق كما لم يتزود سوى المحظيين عنده. فلا غرابة في أن يؤمّ جهابذة كتابه المذكور إذ ألفوا فيه ما كانوا ينشدون وقد صنعوا له زاداً وفيراً بقراءته، غذوا فكرهم به وروحهم وقانوا غيرهم منه، وما زالوا عليه حتى استنجدوا به فيما استنبطوا، طالبين أن يصمدوا في وجه من تصد لهم... وفي العصور الحديثة، برز الاهتمام ثانية بالكتاب، فنهض من تشيّع لهذا من النقلة، وآخر لذاك، لتقديم نصٍّ مسنودٍ بشهادات ثقة. فنقل الكتاب إلى اللغات الحديثة، الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والروسية. والطبعة التي بين يدينا تنقل متن هذا الكتاب إلى اللغة العربية عبر اعتمادها على آخر دراسة أجريت عليه في الفرنسية على يد العلامين هنري كروزيل ومانيلو سيمونتي، كذلك تمّ وضع بعض الشروح والتعليقات الهامة على النص، وذلك دون إسقاط ذكر الآيات الكتابية التي لجأ أوريجانس إليها.