عاش هذه المذكرات والمراجعات فرحة الإستقلال كأقرانه من الأطفال ولما يتجاوز الثامنة، الذين رفرفرت أعينهم وهم يرون عليهم السوري يرفرف مزهواً، وصدحت حناجرهم بالنشيد الوطني، وكبرت طموحاتهم وهم يهتفون لحماة الديار... لكنهم وهم يكبرون ويطمحون انكسرت قلوبهم عند إنكسار الجيوش العربية المدافعة عن فلسطين في حرب 1948، فجرعوا مرارة الهزيمة، ...
قراءة الكل
عاش هذه المذكرات والمراجعات فرحة الإستقلال كأقرانه من الأطفال ولما يتجاوز الثامنة، الذين رفرفرت أعينهم وهم يرون عليهم السوري يرفرف مزهواً، وصدحت حناجرهم بالنشيد الوطني، وكبرت طموحاتهم وهم يهتفون لحماة الديار... لكنهم وهم يكبرون ويطمحون انكسرت قلوبهم عند إنكسار الجيوش العربية المدافعة عن فلسطين في حرب 1948، فجرعوا مرارة الهزيمة، وأحسوا بويلات النكبة، صفقوا للإنقلاب العسكري الأول في الشام 1949 وصفقوا لرحيله، ثم عانوا كما عنى الكبار، وهم يترنحون مقهورين على حمّى النزوات والمغامرات العسكرية التي أو شكت أن تدمر الوطن.آلمت هؤلاء الصغار تلك المحن التي كانت تستنزف طاقات الأمة فجعلتهم، وهم في أجواء إنتقالية مضطربة، يبكرون لامشتاق المسؤوليات الكبيرة وإتخاذ المواقف التي حسبوها فاصلة، توزعوا على الأحزاب السياسية التي كانت تجتذب الفتيان والفتيات، فتباينت شعاراتهم وتنوعت هتافاتهم واحتدمت خلافاتهم، إلتزموا بصدق وحماسة فترجموا مراهقتهم مبادئ قومية أدمنوها وهموماً مصيرية حملوها، أرادوا أن يسبقوا الزمن لبناء صرح مستقبل جميل وحين إنتسابه إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي حلم صاحب هذه المذكرات بأنه سيكون واحداً من الملاحين الذين يوجهون أشرعة المستقبل، وهو اليوم، رغم التعثر والإخفاق والإنكفاء وجنوح الأشرعة، أعلن منطلقاً من تجربته الشخصية التي حفظتها هذه المذكرات، بأن الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي انتمى إليه، ونشأ على الولاء لمبادئه وقيمه، هو الذي صقل عواطفه وهذب سلوكه ومنحه القدرة على التأمل والتفكير... وهو الذي عزز ثقته بنفسه ومجتمعه، وجعله جندياً في صفوفه الساعية لنهضة الأمة.كان إنتماؤه إلى الحزب مبكراً، وبايع سعادة زعيماً، وهو ما زال مفتوناً بشخصيته الآسرة، وشغوفاً بأفكاره وسيرته، وهو يعود اليوم في هذه القراءة السريعة ليؤكد بأن القَسَم الذي ربطه بالحزب يوم كان يافعاً، ما زال يحمله مسؤولية الإنتماء والوفاء، وهي مسؤولية لا تعني الإنضباط بالجسم الحزبي، صغيراً كان أم كبيراً، متمركزاً أو ناهضاً أو طارئاً، ولا تعني القول المطلق بالأحكام والشعارات والإصلاحات والشكليات التي بالغ في تقديسها الرؤساء والعمداء والأبناء والرفقاء فوقفوا وأوقفوا، ولا تعنى كذلك الإكتفاء بالتلقين والتلقي، والحفظ والهتاف، والإصطفاف الأعمى.وإلى هذا، فإن مسؤولية الوفاء لدى صاحب هذه المذكرات وتلك القراءة تعني الإجتهاد في قراءة الرسالة القومية الإجتماعية قراءة واعية ومنصفة، وتعني العمل على شرحها بأمانة ونشرها بقوة، وتعني المراجعة الدقيقة والتحليل الموضوعي، وتعني النقد الذاتي الجاد والمتحرر من سلطات القداسات التي روّج لها الأولون والتابعون، فعطلت من قبل ومن بعد أعمال الفكر، ومسؤولية الوفاء بالنسبة له تعني أيضاً الإستعداد التام للترحيب بأي مشروع قومي أو إجتماعي أو ثقافي، ودراسته ثم الحكم له أو عليه، وفق منظور مستقبلي يضع مصلحة الأمة فوق كل مصلحة.إنطلاقاً من هذه المسؤولية يقدم جهاد جديد وهو على عتبة المحطة الأخيرة من محطات العمر، يقدم هذه الدراسة الموجزة التي تعرف القارئ بالقضية التي آمن بها كما قدمها المؤسس إنطوان سعادة جلية وصريحة، وتطلعه أيضاً على جوانب من مسيرة تلك الحركة القومية الإجتماعية الناهضة، والمآل الذي صارت إليه بعد المؤامرة الدنيئة التي أودت بحياة انطوان سعادة... المعلم.