نبذة النيل والفرات:تعتبر ليبيا من المناطق الهامة على البحر الأبيض المتوسط، وتربط بين جناحي القارة الإفريقية قديماً وحديثاً، وكان لهذا الموقع أثره الكبير على حياة السكان مما جعلهم على صلات وثيقة مع العديد من الحضارات التي ظهرت في المشرق كالفرعونية ثم الفارسية، كما ارتبط أيضاً بالهللينية، خاصة عقب تأسيس العللينيون للمستوطنة "قورين...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:تعتبر ليبيا من المناطق الهامة على البحر الأبيض المتوسط، وتربط بين جناحي القارة الإفريقية قديماً وحديثاً، وكان لهذا الموقع أثره الكبير على حياة السكان مما جعلهم على صلات وثيقة مع العديد من الحضارات التي ظهرت في المشرق كالفرعونية ثم الفارسية، كما ارتبط أيضاً بالهللينية، خاصة عقب تأسيس العللينيون للمستوطنة "قوريني وشقيقاتها".وقد وجهت العناية من قبل بعض الباحثين، بالذات الأوروبيين منهم، منذ زمن لدراسة التاريخ الليبي القديم، خاصة في أوجه علاقته وتأثره وتأثيره بالأمم القديمة الأخرى، كالفرعونية، الهللينية، الفينيقية، كما حاول بعض الباحثين من أبناء ليبيا في الآونة الأخيرة الالتفات إلى بعض نقاط ذلك الاتصال وتناولها بالبحث الدقيق، بيد أنه، وبالرغم من تلك الجهود فإن نقاطاً أو أموراً كثيرة أخرى في التاريخ الليبي القديم لا تزال مبهمة، يكتنفها الغموض ومن ذلك مثلاً علاقة قورينائية بالإمبراطورية الفارسية الأخمينية.وهذا الكتاب محاولة لدراسة مسألة قورينائية والفرس والعلاقة بينهما منذ قيام إمبراطورية الفرس الأخمينيين في الشرق الأدنى، في القرن السادس قبل الميلاد، وامتداد سيطرتها باتجاه الغرب فشملت مصر وقورينائية، وهي الفترة الزمنية التي تصادف أيضاً نشأة قوريني الهللينية في ليبيا، وينتهي البحث في تلك العلاقة بسقوط الأسرة الباتسية التي حكمت قوريني منذ إنشائها حتى 440ق.م تقريباً.هذا ولقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى بابين، كما منهما ثلاثة فصول، على النحو التالي: الباب الأول: و عنوانه الفرس منذ ظهورهم في القرن التاسع ق.م وحتى سقوط إمبراطوريتهم الأخمينية، التي سميت كذلك نسبة إلى أحد أجدادهم، على يد الإسكندر المقدوني، في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد، مع التركيز خلال البحث على الفترة الزمنية محور هذه الدراسة وهي القرن السادس والنصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد.وتم تقسيم هذا الباب على فصوله الثلاث، بحيث خصص الأول للتاريخ السياسي لتلك الإمبراطورية، وكيفية تحقيق تلك السيطرة وأهم عوامل نجاحها في ذلك.بينما تناول الفصل الثاني الحروب الفارسية الهللينية، والتي اعتبرها كثير من المؤرخين مظهراً للنزاع بين البربرية والحضارة، أو الصدام بين الشرق والغرب، حيث تم دراسة ظروف ومجريات تلك الحروب وعلاقة إقليم قورينائية بذلك خلال الفترة الزمنية مدار البحث، كما تم التطرق إلى موقف الهللينيين في صقلية من هذه الحروب وربط ذلك بأسباب الصراع الهلليني القرطاجي في غرب البحر الأبيض المتوسط الذي تزامن في بعض مراحله مع تلك الحروب.كل ذلك إضافة إلى تناول فترة ما يمكن تسميته، بلغة العصر، الحرب الباردة بين فارس والمدن الهللينية، والتي دأب فيها كل من الفريقين على التدخل في شؤون الآخر دون استعمال السلاح وجر الجيوش، والاستعاضة عن ذلك بالذهب.وفي الفصل الثالث يتم دراسة أنظمة الفرس الأخمينيين، من اقتصادية واجتماعية، وبعض مظاهر حضارتهم، من عمارة وفنون و غيرها، ودور الأقاليم الخاضعة لهم فيها، ومدى أثر أو تأثير ذلك على تلك الأقاليم. الباب الثاني وقد عنون باسم قورينائية في العهد الباتي، تناول فصله الأول نشأة مدينة قوريني ونظامها الملكي.وخصص الفصل الثاني للحديث عن تأسيس مدينة برقة كأحد مظاهر أو نتاج تلك المشاكل التي عاناها البيت الباتي في قوريني، ومحاولة البحث لتأكيد موقع مدينة برقة القديمة، وظروفها الاقتصادية خاصة ما يتعلق منها بمينائها وظروف الخلط بين اسمه واسم المدينة فيما بعد.الفصل الثالث، ولعله أهم فصول الكتاب، خصص للحملات الفارسية التي أ{سلت ضد الإقليم، وبالتحديد ضد مدينة برقة، وهو بالإضافة إلى إيراد حيثيات تلك الحملات تناول أيضاً تأريخها (الحملات) ومات تمخض عنها من نتائج سواءً على مستوى الإقليم أو على مستوى الإمبراطورية الفارسية.