لقد انتصرت أميركا في الحملتين اللتين جرّدتهما ضد الدول المارقة، فلماذا شكل هذان "النجاحان" إخفاقاً في الحرب ضد الإرهاب؟ ولماذا تهزم الولايات المتحدة الديموقراطية شرّ هزيمة في كفاحها للفوز بالقلوب والعقول في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي تتوقف عليه نتيجة الكفاح من أجل الديموقراطية على المدى الطويل؟ والجواب الذي يبرز: من المستحي...
قراءة الكل
لقد انتصرت أميركا في الحملتين اللتين جرّدتهما ضد الدول المارقة، فلماذا شكل هذان "النجاحان" إخفاقاً في الحرب ضد الإرهاب؟ ولماذا تهزم الولايات المتحدة الديموقراطية شرّ هزيمة في كفاحها للفوز بالقلوب والعقول في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي تتوقف عليه نتيجة الكفاح من أجل الديموقراطية على المدى الطويل؟ والجواب الذي يبرز: من المستحيل تحرير الشعوب بفوهات البنادق. فالنوايا الحسنة لا تستطيع التعويض عن أخطاء السياسات المتهورة والعواقب المكلفة. فبعد مرور سنة على غزو العراق وعدّة سنوات على المغامرة التي تدعى حرباً وقائية، توحي كل الأدلة بأن استراتيجية الرئيس بوش فشلت. فلن يكون هناك انتقال سهل إلى الديموقراطية في بغداد، تتساقط على أثره البلدان المجاورة في أحضانها كأحجار الدومينو؛ ولن تستمر التهدئة في أفغانستان بشكل دائم حتى إذا تمّ القبض على أسامة بن لادن، ولن يكون هناك حلّ عسكري على طريقة السلام الأميركي للاضطراب والطغيان في العالم غير الديموقراطي، ولن تحصل النوايا الحسنة الأميركية على مكافأة مرضية، ولن يتحقق المجد للمحررين الأميركيين كما يسمون أنفسهم؛ ولن يتحقق النصر الحاسم في المعركة ضد الإرهاب أو المعركة لتحقيق الأمن القومي الدائم. ورغم أن إمبراطورية الخوف تعززت تحت راية الحرية؛ إلا أنها لن تحكم باسم الديموقراطية ولا تستطيع ذلك. مع ذلك فإن الأسباب نفسها التي دفعت أميركا إلى مواصلة اعتناق الحرب الوقائية من الناحية النظرية رغم فشلها العملي في كل مكان، هي التي تؤدي إلى استمرار القراءة الخاطئة للصور الفجة في الربيع الفائت، واستقاء نتائج خاطئة منها: أن كل من يعارض أميركا في حربها الصالحة ضد الإرهاب هو شر متجسد (انظروا إلى الشرور التي ارتكبوها في الفلوجة) وأن الأغراض الأميركية فاضلة حقاً (انظروا إلى مقدار الانحراف في سلوك الحراس في سجن أبو غريب، إنهم بضع تفّاحات فاسدة لا "يمثلون" أميركا بل هم "وصمة عار" على جبينها). لكن ليست هذه هي الدروس التي يستقيها المراقب الدقيق من الصور، وليست الدروس التي تروق لكل من يعرف شيئاً عن تاريخ أميركا الجدلي وطبيعة الديموقراطية المعقدة.تلك كانت استشفافات حول الديموقراطية الأميركية وهي توحي بأنها صادرة عن متحدث عربي يشهد معاناة الشعوب التي اقتحمتها أميركا بعددها وبعتادها بقصد نشر الديموقراطية في تلك البلاد، إلا أن تلك الاستشفافات الموضوعية صادرة عن مؤلف هذا الكتاب الأميركي بنجامين ر.باربر. وهو إنما ساق استشفافاته هذه في مقدمة كتابه هذا الذي يقدم من خلاله قراءة أعمق للسياسة الأميركية، أو قراءة مقابلة لأميركا من قبل أميركي يحب بلاده لكن لديه وجهة نظر مقابلة بشأن سياستها، وفي الكتاب يحلل بنجامين وينتقد الفكرة الأميركية الخطيرة، لم يأت بها الرئيس بوش، التي ترى أن العالم ساحة حرب مانوية ملونة بالأسود والأبيض، يتواجه فيها الشر والخير في سلسلة من المواقع العلمانية الفاصلة.