يتحدث كثير من الكتّاب والنقاد اليوم مؤكدين أن زمن الشعر قد ولّى الى غير رجعة، فهم يتحدثون عن جفاف وقسوة عصرنا وعن طابعه الإقتصادي والتكنولوجي المزدوج، غير أن المعاناة من الشعور بجفاف الروح ليست ظاهرة جديدة، بل انها كانت منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى اليوم، تمثل الدافع الأساسي لكتابة وقراءة الشعر، وقد تختلف أشكال وظروف هذه المعان...
قراءة الكل
يتحدث كثير من الكتّاب والنقاد اليوم مؤكدين أن زمن الشعر قد ولّى الى غير رجعة، فهم يتحدثون عن جفاف وقسوة عصرنا وعن طابعه الإقتصادي والتكنولوجي المزدوج، غير أن المعاناة من الشعور بجفاف الروح ليست ظاهرة جديدة، بل انها كانت منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى اليوم، تمثل الدافع الأساسي لكتابة وقراءة الشعر، وقد تختلف أشكال وظروف هذه المعاناة. وفقاً لتطور حضارة المجتمع، إلا أنها تبقى من حيث المضمون واحدة، فالأسئلة الأساسية حول وجود الإنسان وغايته النهائية لا تزال هي نفسها منذ زمن غلغامش وهوميروس وأوديب وسيزيف وطرفة بن العبد وامرؤ القيس والمتنبي والمعري وهاملت حتى زمننا الحالي، دون أي تغيير جوهري، وإن اختلفت أشكال المعالجة والإجابات، فهي دائماً تختلف، وإلا لما اتصفت بالإبداع.تمرّ الإنسانية اليوم بمنعطف نوعي، وعند المنعطفات الكبرى تهتز القناعات. وتضيق مساحة الرؤية، وتتكلس الأحلام، وتسود القيم العملية والواقعية، وتصبح الذرائعية نهجاً مقبولاً في الحياة، وتهب رياح الجفاف، فتقسو القلوب، وتتحجر الأرواح، فهي كالصوان أو أشد قسوة، فمن الصوان تتفجر الأنهار، ومنه ما يتشقق فيخرج منه الماء أو تنبت فيه وردة.ويواجه الناس المنعطفات الجديدة وكأنها صاعقة هبطت عليهم من السماء، في ليلة مظلمة، وتمر بهم لحظات متعاقبة من الظلمات والرعد والبرق، فيضعون أصابعهم في آذانهم، خوفاً من الصواعق، ولا يصغون الى صوت الروح، ويشيحون بأنظارهم عن الفنون والآداب والشعر. ويكاد يجزم الكاتب أن إحدى مشكلاتنا الكبرى في هذا الفقر الثقافي والروحي الذي لا يدع للإنسان فسحة للتفكير والأمل والحلم، فعندما تغيب أحلام الإنسان وراء جدران الموت الرطبة المظلمة، لا يبقى ثمة أي لون لحركة الجسد.