فـي السنين الأخيرة، وعبر مختلف وسائل الاتصال السمعية البصرية والمكتوبة، تواترت دعوات العديد من علماء الأمة وشخصياتها الفكرية إلى حاجة الإنسانية إلى أسلمة المعرفة، من خلال تحيين و تحديث نظرية المعرفة الإسلامية كبديل ثقافـي وحضاري لما هو موجود على الساحة العالمية اليوم من نظريات فـي المعرفة والتربية والاجتماع التي أثبتت محدودية جد...
قراءة الكل
فـي السنين الأخيرة، وعبر مختلف وسائل الاتصال السمعية البصرية والمكتوبة، تواترت دعوات العديد من علماء الأمة وشخصياتها الفكرية إلى حاجة الإنسانية إلى أسلمة المعرفة، من خلال تحيين و تحديث نظرية المعرفة الإسلامية كبديل ثقافـي وحضاري لما هو موجود على الساحة العالمية اليوم من نظريات فـي المعرفة والتربية والاجتماع التي أثبتت محدودية جدواها على الميدان، وذلك حتى تبرهن هذه الثقافة والحضارة الإسلامية على مسايرتها لمستجدات العصر ومتطلباته على أكثر من صعيد، وتسفر عن قدراتها وطاقاتها الكامنة، فـي تفاعل مع واقع الأمة الراهن بكل معطياته ومستجداته، وكذلك فـي مواجهة التيارات الفكرية والعقدية والأيديولوجية المتعددة التي أضحت تفرض نفسها على الساحة العالمية اليوم، وهي مسلحة بكل وسائل الاتصال والتواصل الحديثة ـ وما صيحة العولمة بآخر صيحاتها على ما يبدو. وحيث أن الأمة الإسلامية لا تعيش بمعزل عن محيطها الجهوي والقاري أو الدولي ؛ فهي مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى الإدلاء بدلوها فـي هذه الحركية العالمية المعاصرة بكل جدية واجتهاد، والعمل على تحقيقه على أرض واقعها وواقع الإنسانية، وتقوم عن جدارة واستحقاق بدورها الحضاري، وذلك بتجديد وتفعيل رسالتها السامية التي خلقت لها، فـي عصر اختلت فـيه كل الموازين والقيم والمبادئ، وأضحى فـيه الإنسان أكثر تعطشا إلى نظام سامي موثوق فـيه كمرجعية ونبراس يستمسك به، يعيد إليه نشوة الشعور بالاطمئنان والسكينة، ويركز فـيه الثقة فـي نفسه ومحيطه بكل مكوناته، ويعيد إليه بالدرجة الأولى وقبل كل شيء الشعور بإنسانيته وكرامته التي أصبحت مهدورة فـي العصر الحديث إلا من رحم ربك. وحيث أن استهداف تحقيق إنسانية الإنسان كغاية وكهدف أسمى، وتعزيز كرامته وسيادته فـي الأرض تحقيقا لخلافته، يفرض استحضار طبيعته الفطرية التي جبله الله عليها، واستصحاب أخص خصائصه البيولوجية والنفسية، العاطفـية القلبية، والعقلية المنطقية، وتوجيهها توجيها هادفا يحقق رفاهيته الدنيوية والأخروية على السواء ؛ فإن تحقيق ذلك كله فـي واقع الإنسان المعاصر ومحيطه، قد يتطلب عقودا من العمل والمثابرة والبحث المتخصص الجماعي المتواصل دون كلل أو معوقات، ولكن شريطة أن تكون أسس هذا البحث ومنطلقاته مستمدة من مصادر أصيلة موثوق بها كامل الثقة، ولا يوجد فـي واقع الإنسانية اليوم أساس ومصدر أكثر مصداقية ووثوقية من القرآن الكريم نبراسا ينير الطريق، والسنة المطهرة الشريفة كنموذج عملي تطبيقي للأوامر والنواهي والتوجيهات والبيانات الواردة فـي القرآن الكريم، تُستنبط منهما عناصر لصياغة مناهج وبرامج تعليمية تربوية متجددة ووظيفـية تستحضر أحكام الشريعة وتراعي حاجات الإنسانية ومصالحها، مناهج ُعتمد لتمسيك إنسان الألفـية الثالثة بمصدري التشريع الرئيسيين من جهة، كما تُعتمد لإعادة تربيته وتهذيبه إلى جانب تمكينه من أدوات وآليات معالجة وإنتاج المعرفة وتطويرها، وذلك إعدادا له لخوض غمار الحياة المعاصرة السريعة التقلبات والتطور. ولعل السبيل الأمثل لتحقيق ذلك كله ـ فـيما نذهب إليه ـ مرهون ومرتبط بمدى تقدم المعرفة المتخصصة الدقيقة، الواعية بميكانيزمات وآليات حصول التعلم لدى الإنسان بشكل عام، والإحاطة قدر الإمكان وبثبات، بالمبادئ والأصول التي تتدخل فـي حصوله، وتجريب مختلف الوسائل والطرق الكفـيلة بتحقيقه لدى المتعلمين، وذلك كخطوة أساسية وضرورية لتيسير هذا التعلم بالنسبة لهم وهم فـي وضعيات تعليمية تعلميه، من أجل ضمان حد أدنى ـ على الأقل ـ من السلوكات والتصرفات السديدة التي تتوافق والصراط المستقيم الذي خطه الحق سبحانه لعباده ورضيه لهم شريعة فـي الحياة، الصراط المحقق لكرامة الإنسان وإنسانيته كهدف وغاية،