"رومانسية بلا سذاجة، واقعية خاصة، أقصد ليست واقعية باردة. هادئة مثل مساء رقيقة. قوية وصلبة. طيبة وعميقة، في الثلاثين من عمرها، انتظارها طويل... دائمة الابتسامة. رشيقة ذات جسد رياضي، متناسق صلب ومرن، ذات خطوات خفيفة، لكنها متوازنة، ثابتة مرّة، وكأنها تطير فوق السحاب مرات. ليس هناك من أثر لسمنة، لكن صلابة الجسد أقل قليلاً من امتلا...
قراءة الكل
"رومانسية بلا سذاجة، واقعية خاصة، أقصد ليست واقعية باردة. هادئة مثل مساء رقيقة. قوية وصلبة. طيبة وعميقة، في الثلاثين من عمرها، انتظارها طويل... دائمة الابتسامة. رشيقة ذات جسد رياضي، متناسق صلب ومرن، ذات خطوات خفيفة، لكنها متوازنة، ثابتة مرّة، وكأنها تطير فوق السحاب مرات. ليس هناك من أثر لسمنة، لكن صلابة الجسد أقل قليلاً من امتلاء. لا تستطيع إلا أن تغمض عينيك بعد أن تنظر إلى وجهها، لأنك تخشى أن تضيع الصورة.. وتود أن تظل راسخة، ثابتة في مخيلتك، كأنك تريد أن تخزنها في العمق. حلمت بها مرات قبل أن أتعرف على الأب والأم، وهي بالتالي، تأتي إلى حلمي سريعة... ثم يطول الغياب. أعلم أن أحلام اليقظة لا تتركني، أقتات عليها وأعلو، أوازن نفسي وتأتيني أحلام نوم غزيرة.. لكنها كئيبة في معظمها. أحلام اليقظة.. تحاول دفع نفسك المتعبة والمعزولة إلى نوم وعالم من الأحلام.. تجده أحياناً، ولا تجد إلا الكوابيس أحياناً أخرى، فَتَوغّل نهار اليوم الآخر في أحلام اليقظة.. لتوجد توازناً ما. هل ركبت إلى جانب أبيك على المدحلة.. وأنت طفل، بعد الهجرة الأولى من الوطن، كانوا يسفلتون طرقاً ضيقة إلى المخيمات. أم أنك تخيلت ذلك..! تلك هي مسراتك!! هل هي خيال تخيلته.. وحلمت به؟! أم حقيقة لحظية مرت؟!! تقف في الشارع العريض والجديد، وعلى الجانب البعيد من التلة المشرفة على الشارع، تبدو البيوت الصغيرة.. قرية.. أم مخيم.. ربما أطلال مخيم. بيت صغير ذو سقف من (الزنيكو)... وسور من حجارة وحديقة صبار ودرج يصعد بجانب البيت الإسمنتي. شباك من بعيد، وأشياء معلقة.. تبدو.. تبدو كوجه فتاة.. شعر ووجه وعنق.. يتحركان من بعيد.. وصوت أتخيله يأتي من بعيد. حدثني عن التوأم.. أنت ونفسك... ثم لا تتذكر شيئاً الآن. حاول أن تتذكر. على الطريق.. رمل أصفر.. ذباب يطن.. وصراصير تئن ذات ظهيرة، ثم نسيم منعش ذات مساء. ذلك البعيد لم تستهلكه الحياة والوقت. وهذا القريب مستهلك. اتبعني يا صديقي.. اتبعني سنرى أشياء، ونسترجع أشياء أخرى".في لحظات التأمل يحضر الوطن بإلحاح في الخيال الذي يرسم صورته عن بعد واسترسالات تأخذ إبراهيم غبيش شمالاً وغرباً، استرسالات داعية، واسترسالات منبثقة عن قضية طال انتظار حلها.. قضية الوطن.. وقضية الإنسان المبعد عن أرضه وكأنه المبعد عن ذاته، تتداخل القضايا الحياتية، والرومانسية منها بشكل خاص في ثنايا سرديات إبراهيم غبيش في روايته تلك لتشكل بمجملها ومن خلال أسلوبه الشفاف وقعاً لطيفاً تألفه النفس لتمضي وأيضاً بشفافية لمتابعة أحداث شمال غرب.