ترتسم في القائمقائية المسيحية (1843- 1861)، صورة الجماعة المارونية المضطربة، تتجمع في مساحة عيشها، عصبيات الأقليّة المنطوية على ذاتها خوفاً من مراياها المنكسرة في حروب متتالية، هي المساحة الضئيلة الملعونة، والجبل المقفل لولا البحر المفتوح على تماوجات الصراعات الإقليمية والدولية.هذه المساحة دوماً ساحة، وهذه الأقليّة دوماً في معرك...
قراءة الكل
ترتسم في القائمقائية المسيحية (1843- 1861)، صورة الجماعة المارونية المضطربة، تتجمع في مساحة عيشها، عصبيات الأقليّة المنطوية على ذاتها خوفاً من مراياها المنكسرة في حروب متتالية، هي المساحة الضئيلة الملعونة، والجبل المقفل لولا البحر المفتوح على تماوجات الصراعات الإقليمية والدولية.هذه المساحة دوماً ساحة، وهذه الأقليّة دوماً في معركة، يلاحقها العنف من وراء الحدود، وتقضم وحدتها فوضى التخبط في مخاوفها ورهاناتها الخلاصية المبتورة، وهي من أعطت لنفسها دوراً أكبر منها (مواجهة المماليك، محاربة التتريك، حماية الأقليات في محيطها، الحداثة... إلخ).هذه الأقليّة التي تجيد "الزجل"، أي فن الإرتجال، تتعثر في الحساب ومنطقة، فلا تنتهي من مواجهة ضاربة إلا لتدخل في أخرى، حروب متتالية في سنوات ما بين سنتي 1840 و 1860، خسرتها بالجملة، لسوء تقدير تحالفاتها الإستراتيجية، ولعطب في تركيبتها الأقلّوية، فغزيرة البقاء تفرض قواعد صارمة على الجماعة القليلة العدد، كالتراتبية المنغلقة، وأحادية الراعي، والإتحاد الجماعي، وهي لم تملك عنواناً واحداً في هذا الأقنوم، ففي ذروة قلقها الوجودي، انقلبت على صيغة "المقاطعجية" التي تحكمها ولم تملك بديلاً عنها.لا تعني هذه الإشارة إلى أنّ النظام الإقطاعي تماسك سابقاً، أو أبدع في قيادته، أو حكم في رسولية العصب النقي الذي يسحق الذات لتنمو الجماعة، بل يطرح الإنقلاب الفلاحي بقيادة طانيوس شاهين (1859)، تساؤلات عن سر الأقليّة المارونية وطبيعتها، عن أدائها في مرحلة تاريخية، كثر أعداؤها الذين يحملون معاول إقتلاعها من جذورها، ومن ظلالها، ومن تراثها المتراكم في معاجم الإستقلالية، أو "الإنعزال الموقت" الذي يحميها من العواصف، وفق دروس بقاء الأقليات وصمودها، شرقاً وغرباً.في هذا الكتاب، أعاد الكاتب أنطوان سعادة تركيب النص السردي لثورة الفلاحين من شهادات معاصريها، ووثائق متفرقة، خصوصاً وثيقة الأب اللعازاري المجهول الإسم الكامل، في معهد عينطورة (كسروان)، الذي كتب شهادة حية عن الثورة وما تبعها من حرب أهلية، فأرخ، وأضاف جديداً على الروايات التاريخية المعروفة (الحتوني، العقيقي، بوجولا)، لذلك نشر المؤلف مقتطفات كبيرة منها، بلغتها الفرنسية، كما دونها كاتبها، لأهميتها الإستثنائية، بعد نسخها عن الوثبقة الأصلية الموجودة في مكتبة المعهد العريق.وما كتبناه استمد روحه من سياقها الذي يربط سيرة رهبانية بحدث عام، وذلك ليضيء المؤلف على هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ لبنان التي حبِّر فيها الكثير القيّم.