"الاغتراب الروحي" هي حالة وجدانية شعر بها أدباء الغرب، حيث شعروا أنهم بحاجة ملحة إلى الفرار من البيئة التي فيها عاشوا إلى بيئة جديدة وهي الشرق ملحقين من خلال خيالهم في البيئة، متوائمين معها، مما منحهم دفعاً شاعرياً وروحياً وفكرياً استطاعوا من خلاله تقديم نوع من الأدب متميز. وقد نشطت هذ الحركة في فرنسا نشاطاً كبيراً، لمعت فيها أس...
قراءة الكل
"الاغتراب الروحي" هي حالة وجدانية شعر بها أدباء الغرب، حيث شعروا أنهم بحاجة ملحة إلى الفرار من البيئة التي فيها عاشوا إلى بيئة جديدة وهي الشرق ملحقين من خلال خيالهم في البيئة، متوائمين معها، مما منحهم دفعاً شاعرياً وروحياً وفكرياً استطاعوا من خلاله تقديم نوع من الأدب متميز. وقد نشطت هذ الحركة في فرنسا نشاطاً كبيراً، لمعت فيها أسماء من بينهم شاتو بريان في كتابه "عبقرية المسيح" ولامارتين في "رحلته في الشرق"، ثم فكتور هيجو في "المشرقيات". إلا أن أعظم الأدباء، وأصحاب الفن الذين تأثروا بهذه الحركة ووجهوها أحسن توجيه هو يوهن قلفانج جيته في ديوان شعره "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي"، كما سماه هو بهذا الاسم في هذه الصيغة العربية. وعناية جيته بالشرق، حكمته وفنونه، عناية قديمة ترجع إلى عهد الشباب، وقد تتقدم عنه فتصل إلى عهد الطفولة، فقد أدخل الكتاب المقدس، في ترجمة لوتر الرائعة، بيد الطفل يوهان، وأدخله في هيكل الشرق المقدس. وأراد أن يتذوقه تذوقاً كاملاً من خلال نصه الأصلي، فدرس اللغة العبرية، وترجم من التوراة كتاب "نشيد الأناشيد" ثم عكف من بعد ذلك على القرآن فقرأه في ترجمة ميجرين، وأعجب به كل الإعجاب. من هنا بدأت عنايته بالأدب العربي، فقرأ المعلقات في ترجمة جونز اللاتينية، وترجم قطعة من المعلقة الأولى. ولكن إعجاب جيته بالشرق وآثاره ظلّ إعجاباً سلبياً إلى وقت اتخذت صلته بالشرق صيغة جديدة حيث انقلب الإعجاب السلبي إلى امتزاج قوي بين روح وروح، وبين دمٍ ودم، حينها نفذة روح الشرق إلى أعماق جيته، متحدة بكل عنصر من عناصره، فتفاعلت وإياه تفاعلاً قوياً، تمخض عنه هذا الأثر الفني الرائع الذي هو مدار الدراسة في هذا الكتاب، ألا وهو "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي".