الشعر الحديث في المغرب العربي - الجزء الأول

تتوجه هذه الدراسة نحو قراءة الشعر الحديث في المغرب العربي. وهي تختبر تجاربه وممارساته في الزمن الحديث، باحثة عن معنى وأشكال حداثته الشعرية، التي أصابته لوثتها وفق الطرائق النصية والنظرية التي اعتمدها الشعراء في كتابة قصيدتهم: بناءً أواقتراضاً، نقداً أو تقليداً، بحسب الذاوت المختبرة لفعل التحديث والأوضاع المحددة لمساراته واختياراته. من ثم يكون عملنا سعياً إلى استكشاف أثر فعل الحداثة الشعرية بالعربية في مكان لم تتعود الدراسات على الإنصات إليه ولا على وضعه في إطار يجمعه بباقي ممارسات الشعر العربي، وليس الحديث منه فقط. ولا تحمل عبارة "الشعر الحديث في المغرب العربي"، التي اخترناها عنواناً للكتاب، تأطيراً دقيقاً للحدود الجغرافية والتاريخية, النظرية والشعرية، ولا حصراً للأسئلة التي تصبح معها هذه الممارسة مخصوصة بجهة جغرافية ولا بفعل تحديثي في فترة معينة من التاريخ. ولكن اختيار الشعر بالعربية في المغرب العربي مغامرة يتقاطع فيها التاريخي بالشعري، والحديث بالمعاصر، والإقليمي بالوطني والقومي إجمالاً، سواء أكان حس الانتماء وعياً ذاتياً أم كان موضوعياً رسخته القيم المجتمعية والثقافية السائدة. ويتجسد معنى المغامرة لما نفتقده من أساسيات البحث، من مواد تاريخية وتوضيب للأحداث والظواهر الخاصة بالشعر الحديث في المغرب العربي. فرغم احتفاظ هذا الشعر بجذوة استمرارية اللغة، لما يتهيأ به في توالي الممارسات والتجارب النصية في الزمن وانفتاحه على الذخيرة الشعرية والثقافية إجمالاً، فقد ظل في حكم المجهول الذي رسخته، من جانب، كتابات المشارقة ومواقفهم المنطلقة من نزعة مركزية تجاه شعر المغاربة؛ ومن جانب آخر، النزعة الفرنكوفونية التي خصّت كتابات الأدب المغاربي بالفرنسية، دون غيرها، بمعنى التحديث والقدرة على الاتصال بقضايا المجتمع. لذلك تقود هذه الدراسة ( في جزئيها الأول والثاني) إشكالية رئيسة تتحدد ضمن المسار التاريخي للممارسات الشعرية الحديثة، منذ بداية القرن العشرين، في الأقطار المغاربية وهي تبحث سؤال وجودها بالعربية وشرعيتها في ثقافاته، من خلال أعمال شعراء كان لحضورهم أثر في انبثاق هذا الشعر وانتشاره.