يروي موسى الشابندر في هذه الذكريات قصة حياته الصاخبة، بأسلوب عفوي وصادق وأمين مستعرضاً أدق التفاصيل التي عرفها أو عاشها منذ نعومة أظفاره وحتى تقاعده عن العمل الدبلوماسي والسياسي.نبذة النيل والفرات:صاحب هذه السيرة الذاتية المرحوم موسى محمود الشابندر هو أحد أفراد ذلك الرعيل الفذ من رجالات العراق الذي عمل منذ مطلع هذا القرن وحتى ال...
قراءة الكل
يروي موسى الشابندر في هذه الذكريات قصة حياته الصاخبة، بأسلوب عفوي وصادق وأمين مستعرضاً أدق التفاصيل التي عرفها أو عاشها منذ نعومة أظفاره وحتى تقاعده عن العمل الدبلوماسي والسياسي.نبذة النيل والفرات:صاحب هذه السيرة الذاتية المرحوم موسى محمود الشابندر هو أحد أفراد ذلك الرعيل الفذ من رجالات العراق الذي عمل منذ مطلع هذا القرن وحتى الجزء الأخير من منتصفه على بناء كيان مستقبل وإنشاء دولة وحكم مستقر في العراق وذلك بعد انهيار الحكم العثماني وتسابق دول الغرب على اقتسام وتوزيع الشرق العربي فيما بينها كجزء من ثمار النصر الذي سجلوه على ألمانيا القيصرية سنة 1918 وخروج الدولة العثمانية مفككة الأوصال مختلة الأطراف ودار السلطنة وعاصمة الخلافة بين الخصوم والأعداء.وكان قدر ذلك الرعيل وتلك النخبة من العراقيين أن تعمل على جمع قواها وتتمسك بكل ما ملكت من إيمان وعقيدة لبدء صراعها الشاق والمرير مع القوة المحتلة وهي لا تملك من الوسائل غير المنطق والحجة والإقناع والمناورة ومع خصم تربع على الموقع الأول في مصير العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وصال وجال فيه حتى قيام الحرب العالمية الثانية سنة 1939.ولئن قيض لتلك النخبة قائد ومعلم عبقري المواهب نادر المثال يأخذ بيدها ويجمع شملها ويحثها على السعي للوصول إلى أقرب شكل من الاستقلال والوحدة الوطنية، فإن المرحوم الملك فيصل الأول القائد والمعلم لم يكن قادراً على ملء دوره التاريخي لولا صدق وإخلاص وأمانة ذلك الرعيل سواء في العمل الظاهر أو الباطن مع الملك القائد.وقد أثمرت تلك الجهود المضنية بدخول العراق عصبة الأمم سنة 1932 وإنهاء الانتداب البريطاني كخطوة أساسية نحو الاستقلال والحرية.تلك الفترة الزمنية من تاريخ العراق تستحق دراسة موسعة وجهداً عملياً صادقاً لكشف ذلك الجزء من تاريخ المنطقة وردات الفعل التي تطورت وعملت على الإسراع في سير الأقطار العربية الأخرى نحو التخلص من الهيمنة الغربية ونيل الحقوق الطبيعية لشعوبها.وأهميتها تكمن كذلك وفي نفس الخطورة في القواعد التي تبلورت والتي قامت الدولة الفتية عليها ويسرت لها بناء مجتمع عصري يقوم على المساواة بين مختلف فصائله ويضمن لها حرية التعبير وتوفير الفرض الاجتماعية والاقتصادية لكافة طبقاته.فقد عمل هؤلاء القوم وسلاحهم اللين والإقناع والإنصاف للتغلب على ما كان يشغل البلاد من انقسامات طائفية ونزاعات عرقية في داخلها ومد وجزر في حدودها الجغرافية مع جيران قل أن يرضوا بالقليل بل زاد الأجنبي من مواقفهم تصلباً وشدة لغايات أقلها تعطيل السير في كافة أرجاء المنطقة العربية نحو التجمع والاعتماد على الموارد الذاتية -خلقياً ومادياً- لتحقيق الشخصية العربية المتمثلة بالاستقلال والوحدة.وإن أهمية دراسة كهذه قد تكشف أيضاً ما حققه رجال البلاد حينئذ من حلول موفقة تتجلى أهميتها في وقتنا هذا وقد أحاقت بالأمة تلك الأخطار نفسها وحمل خصوم جدد وآخرون في الماضي القريب سلاح الانقسام الطائفي والدعوة العرقية مجدداً والغاية لا تتعدى التجزئة لحفظ النفوذ الأجنبي وإبقاء السيطرة الاقتصادية مستمرة على الكيانات المتعددة.كل ذلك يشكل سلاحاً فعالاً إذا سها أبناء الأمة ومفكروها عن مدى خطره وخضعت القلة منهم للأطماع الشخصية والنزوات المحلية المؤقتة.