الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذه الوريقات عبارة عن جهد المقل أردت أحبرها في وقت عصيب من تاريخ الأمة الإسلامية، وقت يلح علينا بكل إصرار أن نحيي إلى الأصول فنقتبس منه ما ينعش القلوب ويطهر النفوس ويعلي رايات الطهر والنقاء والعفة والأخلاق، ويربط العباد برب العباد في علاقة...
قراءة الكل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذه الوريقات عبارة عن جهد المقل أردت أحبرها في وقت عصيب من تاريخ الأمة الإسلامية، وقت يلح علينا بكل إصرار أن نحيي إلى الأصول فنقتبس منه ما ينعش القلوب ويطهر النفوس ويعلي رايات الطهر والنقاء والعفة والأخلاق، ويربط العباد برب العباد في علاقة ملؤها المحبة الملائكية والشوق إلى لقاء المحبوب. أما الموضوع الذي وددت أن أعالجه في هذه الورقات هي إشكاليات تحديد الرؤية والرسالة ضمن المرجعية المحمدية وما ينتج عنه من القضايا والتحديات في العصر الحديث. وخلاصة ما قلته هو أن المرجعية المحمدية في أصلها النقي تقدم حلولا لكل قضايا العصر وتضيء معالم الطريق لتجاوز التحديات في كل زمان ومكان. وأهم القضايا التي يواجهها الناس في العصر الحديث هي ضمور الروح واضمحلال مشاعر الإحسان، وفقدان المحبة الصادقة بين إنسان وأخيه الإنسان ثم بينه وبين ربه الكريم المنان، وكذلك ضياع الأمن والسلام على المستويين المحلي والدولي، وتفكك عرى الأسرة عروة فعروة، وذيوع مظاهر الفحش والانحلال، ما ظهر منه وما بطن، واندحار القسط في المعاملات، وشيوع مظاهر الاثقالة إلى الأرض بدلا من التطلع إلى السماء. وفوق هذا وذلك انتشار إسلاموفوبيا التي تعنى التوجس والخوف تجاه كل ما يحتوى عليه المرجعية المحمدية، حتى أنها غدت أهم عرقلة تبعد الناس عنها وتصدهم عن الاقتراب منها. وأنا لا ألقى اللوم كثيرا على الإعلام الغربي على انتشار هذه النفسية بقدر ما ألقيه على بعض من اعتبروا – ظلما وزورا- رموز الفكر الإسلامي في العصر الحديث. فهؤلاء قد قاموا بصياغة جديدة للمرجعية المحمدية وحوروا أهدافها وغاياتها ووسائل عملها حتى أصبحت عبارة عن انقلاب دموي يأتي على كل أخضر ويابس. وفي هذه الصفحات تتبع متأن لبعض أهم الغشاوات التي ألقت بظلالها على المرجعية المحمدية فجعلها وراء ضباب كثيف لا يكاد ينفذ من خلاله رؤية الرائي. فقد تناولت بعجالة ما أُحدِث من التحوير في إطار تحديد الرؤية الإلهية من وراء إرسال الرسل من كونها قيام الحجة الرسالية على البشر، إلى كونها قيام الحكومة الإلهية في كل أرجاء المعمورة ليصبح الناس أينما كانوا رعايا في مملكة الله السياسية. وتناولت كذلك مسألة تحوير العمل النبوي من كونه تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه وربط عباده به – تعالى- لتنجو مهجتهم من نار الخلد في الآخرة، إلى كونها إحداث الانقلاب السياسي أينما بعثوا. وتحدثت كذلك عن الجهاد الإسلامي مقسما إياه إلى جهاد الدعوة- أي بذل قصارى الوسع في تبيلغ دين الله- وجهاد النفس والذي يعني استفراغ الوسع والطاقة في تربية النفس وتهذيبها وتزكيتها والوصول بها إلى مرحلة الإحسان، وإلى الجهاد القتالي الذي اقتضاه ختم النبوة ووجود الفتنة القاهرة المانعة من دخول دين الله في عصر النبوة، وذكرت أن هذا النوع من الجهاد قد أدى دوره حين أزيلت الفتنة وظهر دين الله على الدين كله.على المستوى الفكري والنظري. فأهم تحد معاصر – على حد اعتقادي- والذي يتطلب منا جهودا مضنية لمواجهته هو رد المرجعية المحمدية إلى هيبتها التليدة، حتي يصبح نورها الوضاء يتلألأ في الآفاق، وعبقها السرمدي يملأ الكون بطيب زكي وظلالها الوارفة ممدودة على رؤوس العالمين أجمعين، فيرحب بها الداني والقاصي، والأليف والغريب. نسأل الله التوفيق والسداد والعمل لما فيه خير هذه الأمة وصلاحها.