نقطة التالي: لماذا ظلت العدمية هي المحرك الرئيسي لتاريخ الغرب؟ ولماذا ظل النموذج الارتكاسي هو الملهم للفكر والثقافة الغربيين؟ وكيف استطاعت القوى الارتكاسية أن تنتصر على القوى الفاعلة، وأن تحسم السلطة لصالحها عبر التاريخ؟ مشروع نيتشه الفلسفي برمّته هو محاولة لفهم وحلّ هذا الاشكال. ولتحقيق ذلك لا بدّ أوّلا من إقامة جنيالوجيا للعدم...
قراءة الكل
نقطة التالي: لماذا ظلت العدمية هي المحرك الرئيسي لتاريخ الغرب؟ ولماذا ظل النموذج الارتكاسي هو الملهم للفكر والثقافة الغربيين؟ وكيف استطاعت القوى الارتكاسية أن تنتصر على القوى الفاعلة، وأن تحسم السلطة لصالحها عبر التاريخ؟ مشروع نيتشه الفلسفي برمّته هو محاولة لفهم وحلّ هذا الاشكال. ولتحقيق ذلك لا بدّ أوّلا من إقامة جنيالوجيا للعدمية، من خلال مظاهرها الثلاث الأساسية التي هي الذحل، والوعي الشقي، والمثل الأعلى الزهدي الذي يعتبر تركيبا وتصعيدا انطلاق التفكير النيتشوي هو الإشكاللهما. وسيهيّء هذا التحليل التاريخي والسيكلوجي للعدمية، للقيام بقلب شامل وجذري للمثل والقيم العليا للغرب، والتي يدرجها نيتشه تحت مقولة الميتافيزيقا أو الأخلاق. من هنا نفهم الطابع النقدي للعمل الجنيالوجي. ويسعى النقد الجنيالوجي، بما هو نقد للميتافيزيقا من الداخل، إلى تفكيك الإجراءات الكبرى للخطاب الميتافيزيقي. وليتسنّى له ذلك، يقوم أوّلا ببلورتها وإعادة صياغتها في منظورات، حيث يكشف التحليل الآليات التالية: آلية التطابق بين الدال والمدلول، وآلية إقامة تطابق بين المعنى والقيمة، وآلية كبت وحجب الجسد. هذه الآليات أو الإجراءات، تبين بأن الميتافيزيقا تتحدد كخطاب يقوم على إنكار أصوله، وحجب شروط انبثاقه، مما يعني أنه خطاب مخاتل ومخادع؛ وهذا يقتضي التعامل معه بحذر منهجي، حيث يجب التسرب عبر فجواته وفراغاته، للكشف عن مسكوته، ومضمراته، وآلياته في الحجب والإقصاء. وبلغة نيتشه يجب العمل على إنتاج الخطاب الميتافيزيقي كسيميولوجيا وكفيزيولوجيا: فآلية التطابق بين الدال والمدلول، تشغّلها الميتافيزيقا لإقصاء البعد البلاغي للخطاب الفلسفي، والطابع الاستعاري للغته.