الشعر والمال: بحث في آليات الإبداع الشعري عند العرب

يعنى هذا البحث بدراسة المال باعتباره معنىً شعرياً. ويستخدم الباحث لفظة "المعنى" في مقابل اللفظة الفرنسية (Theme) كما هي مستخدمة في النقد الأدبي ولا سيما في الاتجاه النقدي الذي رسم لنفسه خلال العقود الأخيرة نهجه الخاص والذي سماه أصحابه "نقد المعاني" La Thematique.هذا وإن أهمية معنى المال في الشعر لا تقف عند كونه معنى يشغل من القصائد حيّزاً هاماً وتتجسم من خلاله مواقف الشعراء، وإنما تتعدى ذلك إلى كون المال أيضاً سبباً في الشعر فاعلاً فيه فعلاً كميّاً ونوعياً لكونه ماثلاً في أفق الشعراء قبل الشعر وفي غضونه، مما أظهر ما يكون في المدحية، وهو أيضاً صباغ يلون التمثيل الشعري وحلية أسلوبية من حليّ الشعر أظهر ما تكون في الغزلية والخمرية على ما سيرى القارئ في غضون البحث.وإن دراسة الباحث للمال باعتباره معنىً شعرياً تجعل بحثه ذا وجهة أدبية هدفها العام هو محاولة التعرف على نظرة الشعراء العرب إلى المال وفهم بعض آليات الإبداع في هذا الشعر من خلال مقولة "المعنى". وهدفها الخاص هو تحديد النظام الدلالي لهذا المعنى الشعري وذلك في حركتين متراوحتين أحداهما آنية تعتني بمشاغل الشعراء المتزامنين ومواقفهم وتدرس أسس ائتلافها أو اختلافها باختلاف المواضع الاجتماعية والمصالح والأحوال وتحلل آثار ذلك في الشعر الدائر على هذا الموضوع، وأخراها زمانية تهتم بالتأريخ لهذا المعنى في الشعر وتتبع ملامح تطوره من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث الهجري في نطاق السنّة الشعرية التي يتحرك المعنى ضمنها وفي ضوء التحولات والأحداث التأريخية والاقتصادية ناظرة إلى آثارها في الشعر لا إلى "انعكاسها فيه: ذلك أن النص الشعري متفاعل مع الحضارة إلى حد أنه إذا استنطق نطق، بما قد لا ينطق النص الحضاري، لأن الذات تتفاعل فيه مع الظاهرة بصورة تصل إلى المجتمع وصولاً قوياً نابعاً من عمق تمثل الشاعر لمشاغل مجتمعه ومن كثافة وعيه وعمق موقفه الشعري الذي قد لا تتوفر فيه دقة النصوص التاريخية ولكنه يمكّن من معرفة جوانب هامة من فكر المجتمع وضميره في وقت معيّن ويكشف عن حساسيته وميوله.من هنا فإن مشاغل هذا البحث سوف يكون النظر في تمثيل الشعر للضمير الجمعي العربي وفي كيفية تفاعله مع قيم المجتمع وأحداث التاريخ والاقتصاد، لا في البحث عن واقع تاريخي فيه؛ وهذا معنى القول ما عمل الباحث ذو وجهة "أدبية". هذا ولئن كان لهذا البحث في معنى المال في الشعر العربي من الجاهلية إلى موفّى القرن الثالث الهجري جانب تاريخي، فهو من التاريخ الأدبي لا من تاريخ الأدب؛ لأنه وإن كان همّ الباحث الانشغال بالملامح العامة لتطور معنى المال في الشعر خلال هذه الفترة الطويلة، فإن الباحث ينظر إلى الأمر من زاوية زمنية-فنية دون احتفائه بتاريخ الأعصر الأدبية، وإن كان يفيد من أعمال غيره وهي كثيرة، ولا بحيوات الشعراء والظروف الحافة بآثارهم إلا متى رأى في ذلك فائدة خاصة لبحثه.